أساس البناء والعمران في الكون قائم على بناء الإنسان، والإهتمام به وعكس ذلك فأساس هدم أي حضارة يبدأ بهدم الإنسان كما قال الأقدمون…
“إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك ثلاث وسائل تساعد بذلك: هدم الأسرة وتفتيتها… هدم التعليم وتسخيفه… وتسفيه القدوة”.
ولكي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور الوالدين وخاصة اﻷم، ولكي تهدم التعليم عليك بالتقليل من دور المعلم والسخرية من هيبته حتى يسقط فى نظر طلابه ونظرة المجتمع… ولكي تسقط القدوة والمثل الاعلى عليك بالعلماء، شكك في مصداقيتهم وأفكارهم وشوه صورتهم أمام مريديهم حتى لا يسمع لهم أحد.
عبر التاريخ… عندما أنتهى الصينيون من بناء سور الصين العظيم اعتقدوا أنّه ليس هناك من يستطيع تسلقه لعلو بنائه فتعرضوا بعد ذلك لثلاثة حروب وفي كلّ مرة لم يحتاج العدو إلى تسلق السور، فما كان عليهم الا أن اشتروا الحراس ثم دخلوا بأمان عبر البوابة الرئيسية للسور… انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الانسان وتمكين جوهره!.
بناء الإنسان يبدأ من التربية منذ الصغر في البيت والأسرة على المبادىء والأخلاق ثم التعليم في المدرسة وتحسين منظومته وتطويرها دوماً نحو الأفضل والأحدث وتعديل أسلوب التعليم ليتم استيعاب الفكرة والمعلومة وتخزين ذخيرة فكرية قوية داعمة والعمل على الفهم وإبراز المواهب كأغلب الدول المتقدمة، فبناء نظام تعليمى سليم يبني إنساناً نافعاً وصالحاً لنفسه ووطنه ثم يأتي تفعيل دور الإعلام..
إصلاح منظومة الإعلام بجميع وسائله، ليكون إعلاماً إيجابيا توعوياً ينشر التفاؤل والأمل والحقيقة.. يبرز للمجتمع النماذج الناجحة والمواهب الجديدة فى جميع المجالات، إعلام لا يضخم الفشل وينشر السلبيات من أجل الهدم، يقوده أشخاص يمثلون قدوة حسنة للشباب فى سلوكهم وفكرهم، وحياتهم وليست النخبة التى اثبتت فشلها وعدم رضى الناس عنها مع إجراء حوارات نقدية هادفة مفتوحة أمام الجميع بدلاً من الحوارات الفارغة.
لإصلاح الإنسان وتهذيب خُلقه، وتعليمه القيم، والنظام والنظافة والحق والرحمة والإحساس بالغير ومساعدتهم، واحترام الإنسان لأخيه الانسان بعيدا عن الدين أو العرق أو اللون نحتاج لعودة دور الثقافة ومراكز الشباب… بإصلاح المؤسسات الثقافية المعنية بالنشر والإبداع، والتركيز على إطلاق الطاقات الابداعية، ودفع الشباب لاكتشاف مواهبهم فيما يفيد الوطن ويصلح أحواله، ويبني قيمه، فالأدب يستطيع أن يكون أهم مدرسة لبناء الإنسان والمجتمع، خصوصاً أدب الأطفال وعالم الأطفال الذي تتدخل به التكنولوجيا وتؤثر به… مع اصلاح مراكز الشباب والاهتمام بالنواحى الرياضية وتوفير قدرات تنافسية بين الشباب.. العقل السليم فى الجسم السليم.
اعادة الاهتمام بالفن بكافة أنواعه من سينما ومسرح ودراما وغناء وطرب لمسارهم الصحيح فالفن مرآة الشعوب، والارتقاء بالذوق العام من خلال النصوص المعروضة… ليتبنى أعمال درامية هادفه تقوم على التسامح و تقبل الاخر، وتحكي عن تاريخ حقيقي يلامس الواقع وأحداثه.. هنا الرجاء بتضافر جهودنا لإعادة بناء الإنسان بمايليق بإنسانيتنا، وإيجاد مساحة للابداع ونشر الوعي والعمل.
إذا فقدنا السيطرة على تربية الإنسان منذ الصغر فإننا حتماً سنشهد تحولات تقلب مفاهيم الحياة وتستبيح الكرامة الإنسانية وأرواح البشر وتهدر قيمة وكرامة الإنسان وتهدم المجتمع ..يكفينا ماشاهدنا وعشنا صوراً مؤلمة.. الآفاق تفتح لنا أيديها البيضاء.
المستشارة الإعلامية الدكتورة سلوى شعبان