مشاريع تقسيم الوطن العربي بين النجاح والفشل

الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي في الأردن فؤاد دبور
0

تعرض وطننا العربي، وما زال، لمؤامرات استعمارية غربية هدفت ، وتهدف إلى تجزئته وإعادة رسم خارطته عبر نشر الفوضى والحروب التي تؤدي إلى استنزاف طاقاته البشرية والمادية لتسهيل السيطرة عليه والتحكم بمصير الأمة العربية، وظهرت ابعاد هذه المؤامرة جلية واضحة في الأعوام الأخيرة وهذه الأيام، في سورية في العراق ليبيا – السودان وغيرها من اقطار الوطن العربي مؤامرة كشفتها وثيقة صهيونية نشرتها مجلة “كيفونيم” التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية في العام 1982م، ومن خلال قراءة نصوص هذه الوثيقة نجد انها وضعت خطة عمل لما جرى ويجري، في العديد من الأقطار العربية، مثل الحرب العدوانية على العراق في شهر آذار من عام 2003م والتي كان من أهم أهدافها تقسيم العراق أرضا وشعبا على أسس طائفية ومذهبية وعرقية مثلما تضمنت الوثيقة خطط تقسيم السودان وفصل جنوبه وشماله وهذا ما حصل قبل سنوات، وما زال مستمرا حتى اليوم عبر الحرب الدائرة في السودان هذه الايام. هذا إضافة إلى مخططات أخرى وبشكل تفصيلي لتقسيم العديد من دول المغرب العربي وتقسيم لبنان إلى كانتونات طائفية وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن باعتباره الوطن البديل الذي يتم عبره حل المشكلة السكانية ، ولم تسلم مصر من المؤامرة حيث نصت الوثيقة على إقامة دولة مسيحية في سيناء أو صحراء سيوه، وهذا ما تحدثت عنه حركة رند الأمريكية.

طبعا، لا بد من التذكير بأن مؤامرة تجزئة الأمة العربية قد بدأت منذ عام (1905م – 1907) عبر وثيقة “كامبل” رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت والتي نصت على تعطيل نهضة الامة العربية والسيطرة على مواردها وعدم السماح للعرب بالوحدة او امتلاك القوة. ثم أقدمت الدولتان الاستعماريتان، بريطانيا وفرنسا على تقسيم الوطن العربي إلى مجموعة من الدول عبر الاتفاقية المسماة “سايكس – بيكو” حيث تم تركيب كل دولة من خليط عرقي وطائفي تجعلها عرضة للتقسيم على هذا الأساس.

وإذا ما عدنا إلى نصوص الوثيقة الصهيو- امريكية التي تعرض وبشكل تفصيلي إلى تجزئة وتفتيت الأقطار العربية إلى دويلات طائفية وعرقية لا يتسع مثل هذا المقال لعرض التفاصيل مما يجعلنا نكتفي بأبرز واهم البنود في هذا المخطط الصهيوني الذي تنفذه الحركة الصهيونية بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول استعمارية أوروبية على رأسها فرنسا وبريطانيا، وإذا ما بدأنا بمصر تشير الوثيقة، مثلما أسلفنا أعلاه، إلى أن غالبية الشعب من المسلمين السنة وهناك أقلية من المسيحيين يزيد عددهم عن ثمانية ملايين والحالة الاجتماعية في مصر توضح إلى أن غالبية السكان تحت خط الفقر والدولة تعاني من أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة كان يمكن أن تؤدي إلى الإفلاس لولا المساعدة الأمريكية التي خصصت لمصر ثمنا لتوقيعها على معاهدة كامب ديفيد، مثلما تشير الوثيقة إلى منع مصر من استعادة سلطتها على صحراء سيناء الغنية بالموارد الطبيعية مثلما أصبحت مصر بعد كامب ديفيد لا تشكل خطرا عسكريا استراتيجيا على الكيان الصهيوني خاصة في حال تفكيكها من الداخل عبر بث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، كما تشير الوثيقة إلى أن تفكيك مصر سوف يؤدي إلى تفكيك العديد من الدول العربية الإفريقية مثل ليبيا، التي تعرضت لحرب عدوانية من حلف الناتو وكذلك السودان الذي تعرض، ويتعرض لتقسيم وتؤكد الوثيقة إلى إمكانية تقسيمه إلى دويلات أخرى أثنية ومسيحية. تنقلنا الوثيقة إلى لبنان حيث تنص على بذل الجهد والعمل على خلق نزاعات طائفية تفضي إلى تجزئته إلى خمس كانتونات طائفية متناحرة، ويمكن أن ينسحب النموذج اللبناني على العديد من الأقطار العربية في المشرق العربي، العراق، سورية شبه الجزيرة العربية. أما فيما يتعلق بسورية، فتذكر الوثيقة بأنها لا تختلف كثيرا عن لبنان الطائفي وان تميزت بنظام عسكري قوي يحكمها ولكن يمكن لحرب داخلية حقيقية بين الأغلبية السنية والأقلية الحاكمة من الشيعة العلويين، حسب ادعاء الوثيقة، يجعل من المشكلة داخل سورية مشكلة خطيرة تصل إلى تقسيم سورية وإضعافها.

وتتطرق الوثيقة وبالتفصيل إلى كيفية تقسيم سورية دولة سنية في حلب، وأخرى في منطقة دمشق، ودولة علوية على الساحل، وأخرى للدروز مركزها في الجولان، وخامسة في حوران وشمال الأردن وهذه القسمة من شأنها أن توفر الأمن للكيان الصهيوني. اما العراق، فهو حسب نصوص الوثيقة لا يختلف كثيرا عن سورية إلا كون الشيعة أغلبية والسنة من الأقليات، وان تفتيت العراق مهم أيضا. وهذا ما شاهدناه بعد احتلال العراق بفعل القوات الأمريكية الغازية حيث عملت هذه الدولة الامبريالية على خلق فتن وقسمة للعراق على أسس عرقية وطائفية ومذهبية لإضعاف العراق وتسهيل السيطرة على ثرواته النفطية من جهة وتوفير الأمن للكيان الصهيوني من جهة أخرى، وان ما يحصل لسورية هذه الأيام له علاقة بالعراق.

اما السعودية والخليج العربي، فإن الوثيقة تشير إلى خليط من السنة والشيعة الذين وصفتهم الوثيقة بأنهم أغلبية في البحرين والإمارات العربية المتحدة، ومجموعات ليست قليلة في السعودية وجنوب اليمن وعمان والكويت مما يسهل عملية تفكيك هذه البلدان، على حد زعم الوثيقة.

اما فيما يتعلق بالأردن وفلسطين فإن الوثيقة تدعي على أن الأردن في الواقع هو فلسطين ذلك لان أغلبية السكان من الفلسطينيين واستنادا إلى هذا تزعم الوثيقة انه من غير الممكن أن يبقى الأردن على حاله وتركيبته الحالية لفترة طويلة وان سياسة “دولة إسرائيل” يجب أن تؤدي إلى نقل السلطة إلى الفلسطينيين سواء أكان ذلك بالسلم أم بالحرب.

هذا مخطط لوثيقة تناولت الوطن العربي. وتعتبر هذه الوثيقة أساسا لما جرى، ويجري، هذه الأيام في عدد من أقطار الوطن العربي، مما يجعلها من أخطر الوثائق، حيث وضعت مخططات تجزئة وتفتيت الوطن العربي إلى دويلات هامشية ضعيفة مشتتة ضائعة لا حول لها ولا قوة. وقد ظهرت هذه الوثيقة بعد غزو قادة الكيان الصهيوني للبنان عام 1982م وبالتأكيد فإنها كانت موضوعة قبل الغزو مما يدل على أن غزو الصهاينة إلى لبنان وصولا إلى مدينة بيروت إنما كان يهدف إلى تنفيذ ما جاء فيها بالنسبة إلى لبنان. وأمام هذه الوثيقة الطويلة، هل ندرك ابعاد ما يجري الآن وبخاصة في سورية التي تتعرض لعدوان أمريكي – صهيوني أوروبي وتركي، حيث نشاهد هذه الأيام اقدام تركيا على محاولة تثبيت احتلالها لمناطق في شمال سورية وتتريك المواطنين السوريين. ومن يدور في فلك هذه الجهات من أدوات في أقطار الوطن العربي والداخل السوري؟

نجحت الدول الاستعمارية في مخطط سايكس- بيكو، لكنها فشلت في تنفيذ مخطط الصهاينة والامريكان في تنفيذ مخطط عام 1982، وبخاصة في سورية العربية التي قاومت وتقاوم هذا المخطط وافشلتها المقاومة في لبنان ولن يكون الاردن وطنا بديلا للشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه ووطنه.

فؤاد دبور

الأردن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.