ما قبل الاحتضان: “إسرائيل” والإمارات والهند وممرّها الاقتصادي!

د. عدنان منصور وزير الخارجية والمغتربين الأسبق
0

بعد أن تمّ التطبيع الرسمي بين الكيان الإسرائيلي والإمارات العربية المتحدة، وتوقيع اتفاق أبراهام في 13 آب 2020، وافقت وزارتا المواصلات والمالية الإسرائيلية مبدئياً على حيازة شركة «موانئ دبي العالمية»، على حصة في ميناء حيفا، بعد أن قرّرت «إسرائيل» خصخصته، على أن لا تتعدّى حصة الشركة %30 من الأسهم، حتى تبقى السيطرة إسرائيلية على الميناء.

طلب الشركة الإماراتية الدخول في المناقصة تمّ بالتعاون مع شركة «دوفر تاور»Dover Tower Company الإسرائيلية، اللتين وقعتا عدة اتفاقيات للتعاون في مجال أنشطة السفن والموانئ. رئيس شركة «موانئ دبي العالمية» سلطان أحمد بن سليم، الذي لعب دوراً في دفع عملية التطبيع مع الكيان، وإقناع الرياض بالسماح لعبور الطائرات الإسرائيلية أجواء المملكة وصولاً الى الإمارات، كشف النقاب عن أنّ سفناً إسرائيلية كانت تستخدم منذ سنوات الموانئ الإماراتية، منها شركة «زيم» ZIM المملوكة لعائلة أوفر Ofer.

وقال ابن سليم، إنه زار «إسرائيل» عام 2018، ومكث فيها ثلاثة أشهر، وتعرّف على الصناعات الإسرائيلية التي أعجب بها. كما التقى بـ «حامي» نجل رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز، الذي يدير مؤسّسة تعنى بالاستثمار في الكيان «الإسرائيلي».

رغم إبرام الاتفاق بين شركة موانئ دبي العالمية، وشركة شيبياردز انداستريز Israel Shipyards Industries التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي شلومي فوجل Shlomi Fogel، والذي يملك أيضاً شركة Dover Tower، صدر في شهر كانون الأول 2021، بيان عن الجهة الإسرائيلية المختصة، أنّ شركة موانئ دبي، طلبت إنهاء شراكتها في المشروع، فيما الشركة الإسرائيلية «شيبياردز انداستريز» استمرت بالعمل فيه. وحقيقة الأمر، كما تسرّب في الصحف الإسرائيلية، هو أنّ رفض العرض الإماراتي جاء من قبل السلطات الإسرائيلية «لأسباب استراتيجية وأمنية». إذ لا تريد هذه السلطات ان يكون للشركة الإماراتية وجود في ميناء حيفا. مع العلم أنه بعد تطبيع العلاقات بين الكيان والإمارات، وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2021 الى 1.22 مليار دولار، وفي عام 2022 وصل الى 2 مليار دولار. وفي نهاية العام 2023 ستتجاوز التجارة البينية 3 مليارات دولار وفقاً لما كشفه قنصل «إسرائيل» العام في دبي أثناء مقابلة جرت معه. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم التبادل التجاري بين «إسرائيل» والإمارات عدة مرات ليصل الى 10 مليارات دولار في غضون خمس سنوات، كما ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، بتاريخ 23 آب 2022.
يعتبر ميناء حيفا، أحد أبرز الموانئ الإسرائيلية، حيث يمرّ فيه سنوياً أكثر من 30 مليون طن من البضائع، وهو يحظى بأهمية استراتيجية بالغة للكيان في زمن السلم والحرب، وهو بوابة المنطقة لجهة استيراد السلع وتصديرها. ما جعل دولاً عديدة تأخذ بالاعتبار أهميته وهي تتعاطى مع دول المنطقة سياسياً واقتصادياً وتجارياً.

عام 2015، تمّ توقيع اتفاق بين «إسرائيل» والشركة الصينية لإدارة الموانئ Shanghai International Port Group، على أن تقوم الشركة الصينية بتشغيل ميناء حيفا، وإدارته لمدة 25 عاماً، وهو القسم الجديد الذي طورته الشركة، والذي بدأت بإدارته رسمياً عام 2021.

توسيع ميناء حيفا على يد الشركة الصينية، لقي انتقادات شديدة من جانب واشنطن وجّهتها لـ «إسرائيل»، وبالذات من قبل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بسبب ضلوع الصين في مشروع توسعة ميناء حيفا، تخوفاً من أن تجد الصين فرصة مناسبة للقيام بمراقبة تكنولوجية تتعلّق بالميناء، ومراقبة نشاط سلاح البحرية الإسرائيلية وعملياته المشتركة مع سلاح البحرية الأميركية، وأخذ المعلومات والتجسّس على الأسطول السادس. مع العلم أنه يوجد الى جانب الميناء قاعدة عسكرية بحرية تحتوي على أسلحة دمار شامل.

حذّرت أميركا «إسرائيل» من استمرار تعاونها مع الصين، وما يشكله تمدّد الصين من خطر على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. ما حمل واشنطن على التلويح لـ «إسرائيل» بتوقف قطع الأسطول السادس عن الرسو في ميناء حيفا.

ضغوط واشنطن على «إسرائيل» لمنعها منح الشركة الصينية تشغيل ميناء «حيفا باي» الثالث باءت بالفشل. علماً أنّ أميركا لم تعارض عام 2016 مشاركة الصين في المشروع بسبب المكانة العالمية التي تحظى بها الشركة الصينية.

إلا أنه ابتداء من عام 2017، وبعد حدة التوتر الحاصل بين بكين وواشنطن، كان على الولايات المتحدة أن تعمل على مواجهة التمدّد الصيني الذي بدأ يتمدّد في المنطقة بشكل مريب لواشنطن.

في 14 تموز 2022، وأثناء زيارته لـ «إسرائيل»، عقد الرئيس الأميركي جو بايدن، اجتماعاً افتراضياً، مع الهند والإمارات و»إسرائيل»، نجم عنه منتدى اقتصادي جديد، عرف باسم I2U2، ويضمّ الولايات المتحدة والهند والإمارات و»إسرائيل». الهدف من إنشاء المنتدى كما جاء في البيان المشترك، «التركيز بشكل خاص على الاستثمارات المشتركة والمبادرات الجديدة في مجالات المياه، الطاقة، النقل، الفضاء، الصحة، والأمن البحري والغذائي. «ولو أنّ أهدافاً استراتيجية أميركية تقف وراء تأسيس المجموعة الرباعية، لا سيما أنّ الأطراف الأربعة، ترتبط في ما بينها بمصالح اقتصادية وأمنية واستراتيجية إزاء قصايا إقليمية ودولية عديدة. وهي قضايا تتماشى أيضاً مع الحوار الأمني الرباعي بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة.

المنتدى الاقتصادي الجديد يهدف في العمق، مواجهة الصين وتطويق مشاريعها، وله أبعاده الجيوسياسية، والاقتصادية، عبّر عنها آنذاك مستشار ولي عهد أبو ظبي عبد الخالق عبد الله بقوله: «إنّ تحالفاً جيوسياسياً وجيواقتصادياً جديداً قيد التشكل في غرب آسيا، يضمّ الهند والإمارات و»إسرائيل»، لمواجهة التمدّد الإيراني والعبث التركي، يستعدّ لملء الفراغ في حال تراجع الحضور الأميركي عن المنطقة.

الرباعية الجديدة يمكن لها أن تتيح للهند فرصة توسيع دورها في العالم، لا سيما في الشرق الاوسط، وبالذات في «إسرائيل»، خاصة بعد زيارة رئيس وزرائها ناريندرا موديNarandra Modi عام 2017 لـ «إسرائيل»، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي للكيان، بعد أن كانت الهند ولعقود طويلة داعمة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

تعتبر الهند ثالث شريك تجاري لـ «إسرائيل» منذ عام 2014، حيث وصلت تجارتهما البينية الى 5 مليارات دولار، بعد أن كانت 200 مليون دولار عام 1992 عند استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

تنظر الهند باهتمام كبير الى الشرق الأوسط، الذي تعتمد عليه بشكل كبير لجهة وارداتها من الطاقة، ووجود اكثر من عشرة ملايين عامل هندي في دول الخليج. كما تعتزم تعزيز العلاقات مع دوله، لا سيما الإمارات و»إسرائيل» وهما أهمّ شركائها في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر.

«إسرائيل» المورّد الرئيس للأسلحة الى الهند، بالإضافة الى التقنيات الزراعية المتطورة التي يمكن للهند الاستفادة منها. كما ترى الهند في الإمارات، حاجة ماسة إليها، لتمويل مشاريع البنى التحتية. ففي عام 2015، أعلن البلدان عن إنشاء صندوق البنى التحتية بقيمة 75 مليار دولار، استخدم منها حتى الآن 3 مليارات دولار.

بعد أن قرّرت السلطات الإسرائيلية خصخصة ميناء حيفا، أتاح للشركة الهندية «اداني بورتز» Adani Ports، التي يملكها الملياردير الهندي غوتام اداني
Gautam Adani أن تستحوذ على %70 من الأسهم، وشريكتها، «شركة الخدمات اللوجستية المحلية الإسرائيلية غادوت GAdot» على %30 من الاسهم. بذلك سينافس ميناء حيفا الذي تستحوذه الشركتان الهندية والإسرائيلية، ميناء حيفا الجديد الذي تديره شركة موانئ صينية من شنغهاي. وبذلك يكون ميناء حيفا قد احتضن الصين والهند معاً.

تجدر الإشارة الى أنّ تحالف شركة ADANI الهندية وغادوت الإسرائيلية سيستحوذ على ميناء حيفا لمدة خمسين عاماً، مقابل 1.2 مليار دولار. هذه الخطوة الأميركية الإسرائيلية، تهدف الى استخدام الهند كوسيلة لوقف التمدّد الصيني المتنامي في الشرق الأوسط، حيث اعتبر نتنياهو أنّ استحواذ الشركة الهندية على الميناء يعتبر مساعدة للإسرائيليين في تحريره. وأثناء مراسم دخول شركة أداني الهندية وشريكتها الإسرائيلية ميناء حيفا، قال نتنياهو «إنه يوم عيد لإسرائيل والهند والعالم».

لن يقتصر الوجود الهندي عند هذا الحدّ، بل أرادت واشنطن في قمة العشرين التي عقدت في شهر أيلول في نيودلهي 2023، أن تخرج اقتراحاً بشأن ممر يمتدّ من الهند الى دبي، مروراً بالسعودية والأردن و»إسرائيل»، وصولاً الى اوروبا، وذلك للالتفاف على مشروع «الحزام والطريق» للصين، متجاهلة باكستان، وإيران، والعراق، وسورية، ولبنان، وتركيا.

تمّ التوقيع على الاتفاق في 9 أيلول في نيودلهي بين الولايات المتحدة، الهند، السعودية، الإمارات، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا. الغاية من المشروع، إنشاء سكك حديدية، وربط الموانئ البحرية، وتعزيز التبادل التجاري، وتسهيل مرور البضائع والطاقة. طريق الهند الاقتصاديّ له ممران: الممر الشرقي البحري، ويربط الهند بدول الخليج، والممر الشمالي البري يربط الخليج بـ «إسرائيل»، ومنها إلى أوروبا.

إذا كان من المبكر الحديث عن مدى نجاح أو تعثر المشروع الأميركي – الإسرائيلي، إلا أنه سيجعل من ميناء «إسرائيل» نقطة انطلاق الى أوروبا، وسيعطي ميناء حيفا زخماً وبعداً عالمياً. الاتفاق أراح «إسرائيل» لأنّ خطوط سكك الحديد سيمرّ في الأراضي السعودية، وهذا إنجاز تحققه واشنطن وتل أبيب للكيان. فبعد التطبيع الجوي، والسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور الأجواء السعودية، يأتي التطبيع البري بالسماح لسكك الحديد عبور الأراضي السعودية وصولاً الى «إسرائيل». وهذا يعني انّ التطبيع البري والجوي اختصر مسافة التطبيع السياسي والدبلوماسي الذي أصبح شكلياً بحاجة الى الإخراج البسيط.

لكن هل سيقلص ممرّ الهند الاقتصادي دور مشروع الصين «الحزام والطريق» كما تريد واشنطن؟!

هذا بحث آخر…

د. عدنان منصور

لبنان/ وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.