لم تكن “إسرائيل” لتجرؤ في تماديها في ارتكاب الجرائم بحقّ الفلسطينيين، وانتهاكاتها المتواصلة للمسجد الأقصى، وممارسة عربدتها عبر عناصر عصابات جيشها الإرهابي، غير عابئة مطلقاً بدول وحكام وزعماء العالم العربي والإسلامي، لولا أنها تعرف مسبقاً نوعية معدنهم، ومدى نخوتهم وكرامتهم، وإحساسهم، والتزامهم، وتفاعلهم الهزيل مع القضايا التي تتعلق وتمسّ مباشرة، “وجدانهم” القومي و»حسّهم» الديني والإنساني.
لقد خبرت “إسرائيل” جيداً مدى ردّ الفعل للعالمين العربي والإسلامي، عندما أقدم دنيس مايكل استرالي الجنسية أثناء زيارته لفلسطين، على إشعال النار في الجامع القبلي للمسجد الأقصى، يوم 21 آب 1969، حيث التهم الحريق جزءاً مهماً منه. في حين أنّ “إسرائيل” وخلافاً للحقيقة، ادّعت أنّ مايكل يعاني ضرباً من الجنون.
في نفس يوم الحريق، عمدت “إسرائيل” على قطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، كما أنّ سيارات الإطفاء “الإسرائيلية” التابعة لبلدية القدس، تعمّدت التأخير حتى لا تشارك في عملية الإطفاء، مما دفع بسيارات الإطفاء العربية في الخليل ورام الله للمساهمة في إخماده.
كالعادة استنكر زعماء العالمين العربي والإسلامي وأدانوا الجريمة وحمّلوا “إسرائيل” المسؤولية!
نتيجة لتداعيات الجريمة، تأسّست منظمة المؤتمر الإسلامي التي كان صاحب فكرتها الملك فيصل بن عبد العزيز، حيث عُقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول بين 22 و 25 أيلول من عام 1969.
منذ ذلك التاريخ، و”إسرائيل” لم تتوقف عن انتهاكاتها للمسجد الأقصى، متجاوزة كلّ الحدود، وغير عابئة بردود الفعل الهزيلة للعالمين العربي والإسلامي. إذ ظلت “إسرائيل” تمارس استفزازاتها، وطغيانها، وجرائمها، التي وصلت الى ذروتها بحق الفلسطينيين، والمقدسيّين، والمسجد الأقصى بالذات، فيما العديد من الدول العربية والإسلامية تنبطح أمام “إسرائيل”، وتندفع لتقيم العلاقات الدبلوماسية، وتطبّع معها وكأنّ شيئاً لم يكن.
ما تقوم به دولة الاحتلال اليوم من تعدّيات وانتهاكات صارخة في المسجد الأقصى، لهو عار ما بعده عار في جبين الحكام والزعماء في العالمين العربي والاسلامي، من المتخاذلين، والمتواطئين، والمهرولين، والمطبّعين، واللاهثين وراء العدو.
لكلّ هؤلاء نقول: ألا تستحق منكم فلسطين، والمسجد الأقصى وقفة إباء وعز وكرامة ولو لمرة واحدة؟!
“إسرائيل” تتمادى، لأنها تعرف مسبقاً مدى ردود فعل أصحاب الشأن، وهي التي خبرتهم وعجنتهم جيداً، حجم كرامتهم، ونخوتهم، وإيمانهم، والتزامهم بقضايا أمتهم، وبالذات قضية فلسطين ومسجدها الأقصى.
ألا يستدعي بعد كلّ الذي جرى ويجري من جرائم ضدّ الإنسانية، ترتكبها يومياً دولة الاحتلال الصهيوني بحق الأمة، وبحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ان يقف الزعماء العرب والمسلمون وقفة الرجال، واتخاذ القرارات المشرّفة التي تليق بكرامتهم، ومكانتهم، وعزتهم، وشرفهم وشرف أمتهم، من خلال قطع العلاقات مع “إسرائيل” بأشكالها كافة، وفرض العقوبات عليها، بدلاً من أن تذلّهم، وتهينهم، وتحجّمهم وتقزّمهم في عقر دارهم كلّ يوم، بعنجهيّتها، وغطرستها، وتمرّدها واستخفافها بهم وبالمجتمع الأممي، والقانون الدولي!
إنْ لم يتحرّك العرب اليوم، وهم الذين يمتلكون كلّ مقومات القوة والتأثير، لوضع حدّ للاحتلال “الإسرائيلي” وممارساته العدوانية وجرائمه العنصرية، فمتى يستفيقون من غفوتهم، وتدبّ فيهم النخوة والشهامة، بعد أن مرغت “إسرائيل” أنوفهم في ساحات الأقصى، بعصابات جنودها، تدقّ الأرض، تلوّث، تدنّس، تختال، تستفز، تتحدّى، وتلقن الدرس تلو الدرس للعالمين العربي والاسلامي لتقول لهم: أنا هنا! فأين رجالكم يا أشباه الرجال! استنكروا متى ما شئتم، أدينوا متى أردتم، صرّحوا كيف ما رغبتم، اصرخوا كما يحلو لكم، فاستنكاراتكم، وإداناتكم، وتصريحاتكم وصراخاتكم، لا تغدو كونها فقاعات صابون، أو كالزبد الذي يتبدّد على الصخور…!
د. عدنان منصور
لبنان/ وزير الخارجية والمغتربين الأسبق