ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، مستهلاً الخطبة السياسية “من لبنان الذي مرت عليه قبل أيام الذكرى 46 للحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975، والتي يستعيد فيها اللبنانيون المآسي والويلات التي تركت آثارها التدميرية على الحجر والبشر والاقتصاد، ولا يزال لبنان يعاني من تداعياتها..
إننا نستذكر هذه الحرب الدامية لا لنكء الجراح التي اندملت أو لإثارة الأحقاد والضغائن التي لا نريد لها أن تبقى بل لمزيد من الوعي لدى اللبنانيين وأن لا يكرروا الأخطاء التي أدت إلى نشوبها أو أن يقعوا مجدداً فريسة من استفادوا من هذه الأخطاء وحولوا لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
لقد بات واضحاً دور الأيادي الخارجية في صناعة الحرب الأهلية وتغذيتها وتسعيرها، ولكن هذه الأيادي ما كانت قادرة على العبث بالواقع اللبناني لولا الانقسام الداخلي بين الطوائف والمواقع السياسية وعدم اعتماد لغة الحوار لمعالجة الهواجس الموجودة لدى هذه الطائفة أو تلك أو هذا الموقع السياسي أو ذاك مما جعل الجميع ينخرطون فيها ويعانون، لذا نرى أن من حق اللبنانيين أن يخشوا تجدد هذه الحرب وهم يرون كل التوتر الحاصل على الصعيد السياسي أو في علاقة الطوائف ببعضها البعض والذي نشهده عبر المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي والذي إن استمر قد يأتي من يستفيد منه ويغذيه لمن يرى مصلحته في إشعال حرب.
إننا نريد للبنانيين أن تبقى مآسي هذه الحرب في ذاكرتهم وماثلة أمامهم حتى لا يلدغوا من جحرها مرة أخرى”.
أضاف: “في هذا الوقت، تزداد وطأة الهم المعيشي على اللبنانيين بفعل تدني القدرة الشرائية لديهم وارتفاع الأسعار بشكل جنوني ووقوفهم طوابير أمام محطات المحروقات لعدم توفر مادة البنزين والمازوت، أو ما حصل أمام الأفران والنقص في الدواء وزيادة التقين في الكهرباء وفي الحديث المتزايد عن قرب رفع الدعم من دون بديل، فيما لا يبادر من بيدهم القرار بأية خطوات جادة وسريعة وفعالة لمعالجة هذا الواقع سوى في مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع المواطن وحاجاته..
وفي ظل هذا الواقع لا يزال اللبنانيون ينامون على عنوان سجالي ليستفيقوا على آخر، وكأن الهدف لدى المسؤولين هو إشغال الناس عن تقصيرهم بدلاً من استنفار جهودهم على مختلف المستويات للتخفيف عنهم ومعالجة مشاكلهم المستعصية وجوعهم القاتل.
ومن المؤسف وفي هذا المجال أن تُدَخل العناوين الإصلاحية والسيادية لتكون مادة للسجال، كالذي طرح سابقاً حول التدقيق الجنائي وهذا ما نخشى أن يتكرر في الحديث عن ترسيم الحدود البحرية والتي تتعلق بسيادة لبنان وثروته المائية وما قد يكون فيه من غاز أو نفط يتحدث المعنيون بأنها كفيلة لمعالجة مشاكل لبنان الاقتصادية، حيث سيؤدي استمرار مثل هذا السجال إلى إضعاف الموقع التفاوضي للبنان في ثروته.
ومن هنا، وأمام هذا الاستحقاق، فإننا ندعو الجميع إلى موقف موحد، وأن لا يفرطوا بمصالح اللبنانيين وبمستقبلهم وبحريتهم، وأن تتم كل الإجراءات التي تضمن قدرة لبنان على تثبيت حقه في مياهه وفي الاستفادة من ثروته وان لا يتوقف بفعل الضغوط الدولية او المماحكات الداخلية فاللبنانيون الذين بذلوا الدماء لتحرير أرضهم لن يغفروا لمن يفرط بحبة ماء منها..
ونعود إلى تأليف الحكومة التي من الواضح أنها هي الأساس في حل مشاكل هذا البلد إن قامت على أسس صحيحة وكان هاجسها هذا البلد وإصلاح مؤسساته، فهي لا تزال رهينة القوى المعنية بتأليفها حيث لا يبدي أي منها استعدادا للتنازل عن مواقفه وحساباته ومصالحه مما يوحي أن لا أحد منهم يريد تشكيل حكومة في ظل الوضع الحالي، ولذلك لم تنجح كل المبادرات الداخلية والحركة الدبلوماسية الخارجية أن تحقق اختراقا على هذا الصعيد أو أن تُقرب وجهات النظر بين المتنازعين على الحصص والمواقع.
إننا أمام ذلك نعيد دعوة كل الذين لا يزالون يقفون حجر عثرة أمام التأليف أن يرأفوا بهذا البلد الذي يخسر بهذا التأخير ماله وثرواته واقتصاده وصورته أمام العالم وأن يرأفوا بإنسانه.
لقد آن الأوان لكل هؤلاء أن يعوا ان لا خيار لهم إلا الحوار والجلوس وجها لوجه للتفاهم فالبلد لم يبنى ولا يبنى إلا بالتوازن والتفاهم والتنازلات المتبادلة لحسابه.
ونبقى أخيراً عند الاعتداء الذي تعرض له المفاعل النووي في نطنز والذي يحمل بصمات صهيونية.
إننا نرى أن هذا الاعتداء لن يزيد الشعب الإيراني إلا تصميما على الاستمرار ببرنامجه السلمي وتطوير قدراته على هذا الصعيد ولن يفت ذلك من عضده وقوته”.