يقال إن الأنثى الجميلة تحسدها قريناتها، والغيرة قاتلة…
كذلك بعض المدن الجميلة التي احتوت تراث أجيال وتاريخ أمم كان لا بد ان ينال منها الحاسدون والمتربصون ليوقفوا فورتها.
كانت حلب تقف امام مرآتها السحرية تتأمل جاذبيتها وتقول:
يا مرآتي السحرية…
– هل هناك في الكون أعتق مني مدينة على وجه الكرة الأرضية؟
كانت تجيبها المرآة: بل هي أنت بين الأوابد الحية على وجه البسيطة:
– يا مرآتي السحرية ،هل هناك مدينة تفوقني بين المدن الصناعية في الشرق الأوسط؟
– بل أنت الأولى في بلاد الشام والمشرق في الصناعة، حتى كادوا يطلقون عليك يابان الشرق الأوسط.
– يا مرآتي السحرية… هل تفوقت على مدينة في الطرب والغناء التراثي؟
– بل سمي التراث على اسمك…
– وهل استقطبت مدينة الثقافة مثلي؟
– بل توجت ملكة على كرسي الثقافة العربية والاسلامية والفنون الشرقية. هكذا بلغ الحسد اعداءها وقرروا الحكم عليها بالإعدام…
على ساحل المتوسط مدينة من بلاد الشام، مدينة سبقت من حولها في العلم والسياحة والفنون، وفي التعامل البنكي، وسرية المصارف فكانت منارة للحداثة والحضارة والتطور … حتى أطلق عليها سويسرا الشرق. إنها بيروت.
صدر الحكم عليها بالإعدام…
نالت حلب نصيبها من الدمار والسرقة والسلب والنهب خلال عشرية النار، بتخريب ممنهج غير مسبوق، نال منها الحجر والبشر، حتى لا تقوم لها قائمة.
وأتى تفجير مرفأ بيروت ليصيب المدينة المراهقة بالشلل من خلال مينائها البحري النشيط، فلا حركة تجارية ولا اقتصادية… زادها ابتداع قصة افلاس المصارف المفاجئ، ليفقر اهلها وتفقد مقومات الحضارة والنمو إلى عقود.
يا ترى؟ هل تستعيد هاتان المدينتان عزاً ارتبط بهما؟
هل ستقوم حلب من بين الركام لتعمر سوقها العتيق، وتدير معاملها، وتضيء قلعتها، وتغني موشحاتها…؟ وتفخر بصباحها؟
هل ستستيقظ بيروت من بعد خنق مؤسساتها ، وسرقة مصارفها، لتستعيد دور جامعاتها، ومشافيها، وجبالها وبحرها ومسارحها ؟ وتتغنى بفيروزها ووديعها…؟
همة اهالي حلب تقول نعم… القلاع لا تفنى، والأوابد لا تموت بل تتجدد ويلزمها التمويل.
وتاريخ بيروت يجيب: نعم… شعبها المتحضر لن يستسلم سوف يشعل المنارة من جديد…
املنا أن نتمكن من إنقاذ هاتين المدينتين المتميزتين، بتخفيف الأحكام الصادرة عليهما، والتعويض عليهما… والزمن كفيل بتحقيق ما نصبو إليه بإرادة رب العالمين وحكمته.
شذا نصار
عن الملحق الثقافي لجريدة “الثورة”
سورية