ما أصعب أن تترك الحرب آثارها على جسد نجا منها بأعجوبة هي لطف الله جلّ جلاله كما عشتها وما زلت مع شقيقي وائل؛ شاب في رَيَعان الشباب طالته “حرب الإلغاء” سنة 1989 عندما فجّرت براءته وسجلت، كما في الكثير من اللبنانيين، أبشع ذكرى لا تنسى وهي عبرة لمن يريد أن يعتبر ومن لا يريد أن يعتبر فعليه نفسه.
إستهللت مقالي بهذه الشهادة لكي يكون ما أكتبه رسالة واضحة للذين لا يفهمون معنى كلمة “الحرب” ولعلموا أن هذه اللغة دفّعت اللبنانيين ثمناً غالياً هو استقرار الوطن، فلا يمر يوم إلا وتبرز مشكلة مع كل شروق شمس.
في هذه الأيام تثار مشكلات وتفتح ملفات لا تنتهي إلى نتيجة لأن في مضمونها “خط احمر” يهدد بفرط الأمان ما يجعل التفكير بالهجرة أمراً واقعاً كما حصل معي فرحلت.
لم اكُ أفكر، في يوم من الأيام، أن اترك بلدي، لكن طبيعة الحياة في لبنان لم تعد تطاق حيث الثقافة الوطنية اضمحلت وحلت مكانها “ثقافة الولاء” التي هي أهم من “الثقافة الطائفية” ذاتها بنظر معتقديها، وفي ما انتهت اليه ما اصطلح على تسميتها “ثورة 17 تشرين” خير دليل للمتابع.
ثقافتي الوطنية، المستقلة تماماً عن أي توجه سياسي أو ولاء، لم اكتبسها بالقراءة بل بحكم العيش المشترك في منطقتي التي أنتمي إليها، قضاء جبيل في شمال لبنان، والمصاهرات من طائفة إلى طائفة في أسرتي وعائلتي.
المضحك المبكي لدى الكثيرين أن جرأتي هانت عليهم عندما نشرت صورة لي مع النائب السابق عن منطقتي الدكتور فارس سعيد فصبوا جام حقدهم على الرجل ونعتوه بأوصاف سياسية هو بعيد عنها واتهموني بأنني “قواتية” ومحسوبة على الدكتور سعيد. هو شرف كبير لي أن تربطني به علاقة صداقة وانتماء لمنطقتي، لِمَ لا فالدكتور سعيد طبيب ناجح وسياسي يتمتع بالحنكة والموقف الوطني الواضح، كما لديه خدمات جُلّى يُعتَدّ بها. من هنا لا يجوز الافتراء عليه فهذا معيب.
أكثر من ذلك، نشر الثقافة الوطنية مسؤولية يتحملها الجميع لإبعاد أصحاب “الوسواس الخناس” لقطع الطريق على الطائفيين الذين هم سبب علة المجتمع الإنساني.
شنوا ضدي حملات لم تصبنِ لأن لا انتماء لي إلا لوطني لبنان ولن اكون إلا وطنية.. ووطنيتي ليست للبيع.
لست طائفية ولن اكون، سأبقى كما عاهدت الله في خدمة أبناء منطقتي بما قدّرني ربي عليّ فعله.
الإعلامية لين ضاهر