إن قراءة موضوعية لمجريات الاحداث التي تدور على الساحة اللبنانية والتي بدأت حتى قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري تؤكد مع ان الهجمة التي تتعرض لها قوى المقاومة الوطنية اللبنانية ومعها سورية تعود اسبابها إلى سعي القوى الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والتابعين لهذه القوى في الداخل اللبناني إلى السيطرة عبر لبنان على المنطقة بأسرها وتنفيذ ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طالما عملت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الشريك الصهيوني على اقامته عبر خلق كيانات هزيلة في العديد من أقطار الوطن العربي لإضعافها وجعلها غير قادرة على الدفاع عن استقلالها ووحدة اراضيها ونهب ثرواتها والإجهاز على توجهاتها القومية. ومن اجل تحقيق هذا الهدف وغيره وخاصة إخراج سورية من لبنان وتجريد المقاومة الوطنية اللبنانية من سلاحها حماية لأمن الكيان الصهيوني جاء القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في شهر أيلول عام 2004م تحت رقم 1559 ولما لم يحقق هذا القرار احد أهم أهدافه المتعلق بسلاح المقاومة ومن اجل الإساءة إلى سورية والتعجيل برحيل قواتها من لبنان وتحقيق أهداف سياسية تتعلق بلبنان والمنطقة جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط عام 2005م وفي الدقائق الأولى للاغتيال وقبل ان يجف الدم تم توجيه الاتهام في عملية الاغتيال هذه إلى سورية وتم تشكيل لجنة تحقيق دولية حصرت عملها في البحث عن أدلة لإلصاق التهمة بسورية ولما لم تجد مثل هذه الادلة، لأنها غير موجودة اصلا، قامت جهات لبنانية ودولية بصناعة شهود زور لتثبيت الاتهام والذي استمر وقد اعترف سعد الدين رفيق الحريري بأنهم قد ارتكبوا خطأ في اتهام سورية التي هي بريئة من دم والده، وكان هذا بعد استحضار الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جورج بوش بالشراكة مع الصهاينة والجهات الدائرة في فلكهما عدوان الثاني عشر من تموز 2006 من اجل ضرب المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها المقاتلين من حزب الله ، لكن هذه الحرب العدوانية ارتدت على أصحابها الذين فشلوا في تحقيق اهدافهم بل على العكس من ذلك أعطت المقاومة الوطنية وحزب الله مدا جماهيريا وثقة اعلى بالنفس نظرا لإفشال أهداف هذه الحرب وتحقيق الانتصار على العدو الصهيوني ومن وقف وراءه لذلك كما أسلفنا انتقل الاتهام باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى حزب الله من اجل الهدف ذاته المتمثل بالإجهاز على المقاومة بادعاء انها تمارس الاغتيال مما يضعها في منظومة الإرهاب والشر وفقا للمعايير الأمريكية بعد ان تكون المحكمة الدولية التي شكلتها قد وجهت الاتهام لأعضاء في الحزب ومحاكمتهم أمام هذه المحكمة التي تعمل وفق التوجيهات الأمريكية بما يخدم مصالحها ومصالح الشريك الصهيوني والتابعين وليس وفق الادلة والبراهين الثبوتية التي تكشف حقيقة من اغتال الحريري والجهات التي تقف وراء الذين نفذوا الاغتيال. وبالتأكيد كل المؤشرات تدل ان امريكا والصهاينة هم من اغتالوا الحريري. بمعنى ان عملية اغتيال الحريري بذاتها والاهتمام الذي أظهرته القوى الصهيونية الامبريالية والاستعمارية بهذا الاغتيال إنما جاء من اجل خلق واقع سياسي في لبنان يخدم مصالح الجهات التي قامت بعملية الاغتيال، وبالفعل فقد تحققت بعض هذه المصالح لهذه القوى حيث حدث انقلاب في مؤسسات الحكم في لبنان وجاءت استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي وتولت جهات لبنانية معادية للمقاومة الحكم منذ ذلك التاريخ عدا رئاسة الجمهورية الحالية.
وتم رسم سياسة واضحة لا لبس فيها أساسها استهداف سلاح المقاومة الذي دارت معارك وحروب واستصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي من اجل التخلص منه حيث أقدمت على هذه الحروب الولايات المتحدة الأمريكية عبر الكيان الصهيوني عسكريا ومع العديد من الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا وكذلك حكومة العدو الصهيوني سياسيا.
كما اسهمت قوى حزبية لبنانية تابعة في هذا الامر ومجريات الاحداث من خلدا الى الطيونة والشياح وما قبلها تدل على هذا الامر حيث استخدمت الادارة الامريكية والممولين المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت يوم 4/8/2020 طارق البيطار لتوجيه الاتهام الى حركة امل وحزب الله هذا التفجير المدمر وجعل اللبنانيين يحقدون على المقاومة مثلما استخدمت القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع للاقدام على نصب كمين لوقفة احتجاجية سلمية على سلوك المحقق العدلي، واعتدى المشاركون في هذا الكمين القواتي على المدنيين عبر توجيه السلاح للرؤوس والصدور حيث اسفر على استشهاد سبعة وجرح اكثر من ستين. والهدف هو جر المقاومة لحرف هدف سلاحها من مواجهة العدو الصهيوني الى الداخل اللبناني لكن الحكمة والشجاعة فوتت الفرصة على المخططين والمنفذين لهذا العدوان الذي يمثل رسالة امريكية صهيونية الى محور المقاومة مكتوبة احرفها بدماء الابرياء.
وفي نفس الوقت قام طيران العدو الصهيوني وبالشراكة مع الامريكي المحتل لقاعدة التنف بعدوان دموي غادر ضد الجيش العربي السوري والحلفاء المقاومين في صحراء تدمر اسفر عن استشهاد عدد من الجيش والمقاومة وهي رسالة اخرى امريكية – صهيونية مكتوبة ايضا بالدم موجهة الى محور المقاومة.
وقد كانت اتبعت القوى اللبنانية المرتبطة بالسياسات الأمريكية أساليب إعلامية ودعائية وسياسية وحصار وتلاعب بالدولار والعملة الوطنية لتغيير الواقع السياسي في لبنان. وها هي هذه القوى تعمل هذه الأيام أيضا على ممارسة نفس الأساليب وبدعم من الإدارة الأمريكية من اجل خراب لبنان وتدميره وتحميل المقاومة المسؤولية عن هذا الخراب والحقيقة ان المقاومة تتمسك بالثوابت الوطنية والدفاع عن لبنان ومصالح الشعب اللبناني وبذل الجهد من اجل إخراج لبنان من ازمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية، وتواجه القوى التي تعمل من اجل مصالحها الذاتية الضيقة والتي لها نوايا مسيئة للشعب اللبناني ومصالحه وتعطل توفير حاجاته الضرورية التي هو بأمس الحاجة إليها.
هذا كما نؤكد على ان عدم الاستقرار في لبنان الذي تعمل له القوى المرتبطة بالسياسات الامريكية والصهيونية ممثلة بشكل اساسي بالقوات اللبنانية. سوف يلحق الضرر ليس بلبنان تدميرا وقتالا وخرابا بل يلحق الاضرار بالاردن وسورية مصر حيث تعمل هذا الاقطار العربية على انقاذ لبنان من محنة الكهرباء والغاز. لان هذا المشروع القومي العربي لا يمكن تحقيقه في ظل عدم الاستقرار في لبنان الذي تسعى اليه الجهات المعادية للبنان والامة العربية.
حمى الله لبنان مما ينتظره من تطورات دموية وتدميرية وخراب قادم، خاصة وان سمير جعجع كما نقل عنه بأنه لن يتوقف عن ممارسة الاعمال العدوانية ضد المقاومة ومحاولة جرها الى اقتتال داخلي وهذا يخدم الامن للكيان الصهيوني ويسمح لهذا الكيان باستغلال غاز لبنان في الشاطئ البحري اللبناني.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
الأردن
فؤاد دبور