سونيا بوماد.. من هنا الكلام يبدأ ولا ينتهي عند حدود الذكاء العابر للخيال.
سيدة لبنانية نمسَوية الجنسية من الطراز الأول، إختارت الحياة على مسرح المجتمع الرحب بين حدائق الدنيا، غامرت ونالت واستحقت ما أرادت في رحلة العمر المهاجر نحو الإبداع بأمان الله.
هي كتاب مثقف من الطراز الرفيع، خطّت أيامُ أوراقه وصفحاته، بقلم سيّال، رقيّها في “التواضع والحب” داخل مرسم ابتسمت لها فيه جائزة “التسامح الأوروبية 2019 للديمقراطية وحقوق الإنسان” خصها بها نادي PEN النمسَوي ومدينة فيلاش.
هاجرت من لبنان باحثة عن الاستقرار في النمسا حيث تعيش، منذ سنة 2007، والتي وصلتها بعد معاناة كادت تفقدها ابنتها بسبب رصاصة في الدماغ أخطأت الموت، فالمشيئة الإلهية رحمتها، لأن لارا تستحق الحياة والله لا يظلم إنساناً اذ كتب لها عمراً جديداً، بعد علاج طويل خضعت له في إيطاليا.
ما أجملها من كلمات قالها “نادي القلم” عنها، في بيان، لدى تسليمها: “جائزة التسامح الأوروبية لهذا العام تكرم شخصية نموذجية ليس فقط من خلال كتابتها، لكن، أيضاً، من خلال أفعالها الدؤوبة في التواضع والحب. بوماد هي ممثلة لتلك النمسا الكبرى التي لا تسأل عن مكان الولادة بل انطلاقاً من الممارسة الفعلية”.
رقيّها قيّمها فيه عمدة فيلاش غونتر ألبيل وأحسن بقوله: “سونيا بوماد تم تكريمها قبل كل شيء لعملها في التفاهم بين الثقافات، لكن الجائزة مُنحت أيضاً نيابة عن أولئك الأشخاص الذين، على الرغم من الحرب والهرب والطرد، كانوا يأملون في الخير وجميل في الدنيا انهم لم يتخلوا عن الحياة..
سونيا بوماد مثال ساطع على عظمة الإنسان والرؤية الفكرية”.
هي الحقيقة في إبداع جديد من ذكائها الرفيع، رواية تحكي “ثقب الذاكرة الأسود” في تقديم لها تقول:
“إن لم نمتلك أدوات المعرفة سنبقى مجرد متلقّي يستقبل ما يرسل اليه وعليه ان يصدق دون نقاش.. وبما اننا لم نمتلك بعد حق ابداء الرأي والمشاركة العلمية والتي تتطلب أبحاثاً، قراءات، تحليلاً واستقصاءً حول ما يصل لأيدينا وما لم يصل ولم يترجم بعد، ولهذه الأسباب قررت ان اكتب من موقعي المحدود هذا جزء من حيرتي وتساؤلاتي وما قرأت وما لم أصدقه وما صدقته وما أتمنى ان أناقشه بحرّية مع وبين أبناء امتي دون تطرف، تعصب، تكفير او تخوين، نقاش من اجل المعرفة على رغم أنني أدرك صعوبة هذا النقاش ولكن علينا ان نحول وعلينا ان نسأل وان نكتب وأن ندخل دون خوف “ثقب الذاكرة الأسود”.
سأل أينشتاين مرة “هل الكون مكان ودود؟”.. وطبعا لكي ندرك الإجابة علينا ان نتحرر من الأحكام المسبقة، لنتمكن من تشريح كل ما تقع أعيننا عليه في مجال بحثنا الذي ننوي خوضه ولهذا كانت رواية “ثقب الذاكرة الأسود” وإذا عدنا بالاسم فهو مصطلح يطلق على المكان الذي تدخل فيه المعلومات والأسرار التي يراد التخلص منها وإخفائها كلياً دون رجعة، ولهذا أطلقت على روايتي هذا الاسم لكي نتشارك بتلك المعلومات التي ربما ساعدني الحظ قليلاً بأن اطلع على بعض ملفاتها قبيل إتلافها أو فتحها للعموم بقصد تسخيف محتواها.
الرواية تحكي قصة حب معقدة بين ثلاثة من رواد الفضاء العاملين في “ناسا” والذين تشعبت جذورهم كخليط من بين قارات وحضارات العالم.
يالندا.. جذورها عربية وتحمل معها أطناناً من المشاعر والتناحر والصراعات بين الواقع والمفاهيم المكتسبة.
روبرت.. شاب أميركي ينتمي الى عالمه الذي يقبله ويفتخر به أحياناً ويرفضه ويلعنه أحياناً اخرى.
ماثيو.. وكرائد فضاء أميركي من جذور المانية كان فخوراً بذلك الانتماء رغم ان أمته لا زالت تشعره بالعزة والعار معاً بعد ما حصل على ارضها من صراعات.
والد ماثيو كان من اهم علماء الرايخ الألماني ومن المقربين لهتلر ولكن بعد سقوط برلين وأخذه مع أترابه إلى اميركا مع علومه وأبحاثه يشاء القدر ان يكون ماثيو ابنه الوحيد احد اضلع مثلث برمودا في روايتي هذه، بين خفايا المنطقة 51 وبين محطة الفضاء الدولية في فضاء الارض ووكالة “ناسا” أو “مركز كندي لعلوم الفضاء”.
أما القطب الأهم في روايتي هذه فليس بعيداً عن بيتنا وحارتنا، جمال ومريم صديقا يالندا، ربما كانا هما بطليّ القصة الحقيقيّيْن في مجتمع عربي يصارع من اجل العيش.
منصور شعبان