في عدوان الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967م.
شكل عدوان الخامس من حزيران (يونيو) لعام 1967 ونتائجه مرحلة جديدة وحداً فاصلاً في المنطقة عامة وللكيان الصهيوني بشكل خاص حيث استكمل هذا الكيان احتلال كامل ارض فلسطين العربية وأراض أخرى في جمهورية مصر العربية، شبه جزيرة سيناء، وفي الجمهورية العربية السورية، هضبة الجولان، التي ما زالت تحت الاحتلال الصهيوني.
ولم يأت كسب هذه الحرب العدوانية بالقوى الذاتية للصهاينة بل بمساعدة ودعم ومساندة من الولايات المتحدة الأمريكية التي خططت وأشرفت على الخداع والتضليل السياسي وقدمت الدعم العسكري الذي أتاح لقادة الكيان كسب العدوان. وقد تجسد الدعم الأمريكي باتخاذ إدارة الرئيس جونسون عام 1965 بالتنسيق والتخطيط مع القيادة الصهيونية قرارا مشتركا يقضي بالتخلص من القائد الكبير المرحوم جمال عبد الناصر العدو الأكبر لهما في المنطقة من جهة ولإطلاق حرية العمل لقادة الكيان الصهيوني من جهة أخرى وبقي هذا القرار سريا ومحصورا ضمن الدوائر العليا للشريكين، واخذ الطرف الأمريكي على عاتقه العمل على تنفيذ القرار عبر إتباع سياسة الخداع والتضليل التي بلغت أوجها في الأشهر الأخيرة التي سبقت العدوان وخاصة في شهر أيار (مايو)، حيث قامت وزارة الخارجية الأمريكية بالعديد من التحركات نعرض لأهمها المتمثل في استدعاء سفير مصر في واشنطن وإبلاغه عن معلومات تتعلق بخطة عسكرية هجومية مصرية – سورية ضد الكيان الصهيوني وقامت الإدارة الأمريكية في الوقت نفسه بالاتصال مع رئيس الوزراء السوفياتي “كوسجين” لإبلاغه بالمعلومات نفسها ضمن خطة الخداع والتضليل، وقدمت الخارجية الأمريكية مذكرة توضح فيها موقفها وذلك لمزيد من الخداع حيث تضمنت هذه المذكرة:
1)الطلب من مصر عدم البدء بالهجوم.
2)التعهد بمنع قادة الكيان الصهيوني بالبدء بالهجوم.
3)التعهد ببذل الجهد من اجل الوصول إلى حل سلمي لقضايا المنطقة وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
4)وجوب فتح مضائق تيران امام الملاحة الإسرائيلية.
5)عدم التدخل السوفياتي في أحداث المنطقة.
هذا إضافة إلى تحركات مكثفة قامت بها الإدارة الأمريكية هدفت إلى التضليل وفتح الطريق امام الحرب العدوانية الصهيونية في اليوم المحدد في الخطة الصهيونية الأمريكية المشتركة (الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967) تلك الحرب التي أسفرت عن احتلال الأرض الفلسطينية كاملة وأراض عربية أخرى في مصر وسورية وتحقيق الهدف الاستراتيجي في المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي الاحلالي، وقد نقل هذا العدوان العلاقات الأمريكية الصهيونية إلى مرحلة متطورة من الشراكة الإستراتيجية في التخطيط والتنفيذ في المنطقة بأسرها، كما حلت الولايات المتحدة الأمريكية مكان فرنسا في إمداد الكيان الصهيوني بالسلاح المتطور وكذلك بالتكنولوجيا وخاصة تلك اللازمة للمفاعل النووي الصهيوني. مثلما زادت من نفوذ الحركات والمنظمات الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة منظمة “الايباك” التي استطاعت اختراق المؤسسات الأمريكية وبخاصة الحزب الجمهوري حيث شكلت لها قاعدة يمنيه متطرفة داخله ثم البناء عليها وصولا لما يسمى بالمحافظين الجدد الذين شكلوا القاعدة الأساسية وبخاصة في إدارة الرئيس جورج بوش الابن وكانوا وراء شن الحرب العدوانية على العراق، (آذار (مارس) عام 2003) وكذلك الحرب العدوانية على لبنان ومقاومته في الثاني عشر من تموز عام 2006م وكذلك كان العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزة أواخر عام 2008م ما تبعه من عدوان عام 2012م 2014م، حتى 2021. وتأتي ذكرى عدوان الخامس من حزيران هذا العام في ظل تحركات شعبية تميزت بأسلوب المواجهة مع العدو الصهيوني عبر الانتقال الجماهيري إلى المنطقة والخطوط الفاصلة بين فلسطين وكل من لبنان وسورية والاردن وقدمت هذه الجماهير رسائل مكتوبة بدماء الشهداء والجرحى إلى الصهاينة والشركاء في الإدارة الأمريكية والى العرب والعالم اجمع بأن الشعب العربي الفلسطيني ومعه أحرار العرب أكثر إصرارا على تحرير الأرض واستعادة الحقوق وفي مقدمتها حقه في العودة إلى وطنه ومدنه وقراه التي تم طرد الآباء والأجداد منها بالقوة مثلما وجهت هذه الجماهير رسالة إلى من يعينهم الأمر من القيادات الفلسطينية تتضمن تمسكها بالوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة مقاومة العدو الصهيوني وتحرير الأرض وإفشال المخططات الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بالمفاوضات ومشاريع التسوية وخاصة ما سمي بـ”صفقة القرن”.
مثلما أكد التحرك الجماهيري وبخاصة في القدس العربية امتلاك الجماهير إرادة المواجهة والتحرير رغم مرور الزمن وعشرات السنين وان الشعب العربي الفلسطيني مدعوما من القوى العربية المقاومة والشعب العربي في كل أقطار الوطن العربي مصمم على النضال من اجل استرداد الحقوق وتحرير الأرض وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الحقيقية مثلما أكدت هذه التحركات الجماهيرية قدرتها على التصدي للهجمة الصهيونية – الأمريكية الشرسة التي تستهدف القضاء على الهوية والثقافة العربية وتشديد الضغط على الشعب العربي الفلسطيني والقوى المساندة له المقاومة للمخططات والمشاريع الأمريكية الصهيونية التي تستهدف الأمة العربية في سيادتها واستقلالها والمتمثلة أساسا بالقطر العربي السوري شعبا وقيادة وبعد نتائج (سيف القدس 2021) الذي قامت به المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني اصبحنا على قناعة بأن المشروع الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاستعمارية الأخرى سوف يفشل في تحقيق اهداف مشروعه وهذا ما شاهدناه في هذا العام بالتحديد حيث تتجسد هواجس الصهاينة ومخاوفهم من زوال كيانهم وهذا ما عبر عنه العديد من قادتهم السياسيين والعسكريين والمختصين بالابحاث ويعزون هذا القلق والخوف الى ما يتعرض له كيانهم من انقسامات حادة وصراعات على السلطة وكذلك من المقاومة البطولية التي تواجههم من الشعب العربي الفلسطيني وبخاصة امتلاكهم لارادة المقاومة والاقدام على عمليات في اماكن حساسة من تل ابيب الى جوارها وفي القدس العربية وجنين والعديد من المدن الفلسطينية في كل فلسطين وبخاصة المقاومة المؤلمة والمؤثرة في قطاع غزة.
إننا نؤكد بهذه المناسبة على ضرورة تعزيز وحدة الشعب العربي الفلسطيني والحرص على الوحدة الوطنية في كل قطر عربي والمستهدفة من الأعداء عبر الطروحات العرقية والطائفية والمذهبية والفئوية، مثلما نؤكد على رفض نهج ما يسمى بالتسوية وعلى ضرورة حشد الطاقات العربية وهي كبيرة ومؤثرة وزجها في المعركة مع أعداء الأمة الامبرياليين والصهاينة والاستعماريين الذين يوحدون قواهم في استهداف القوى الوطنية والقومية المقاومة.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
الأردن
فؤاد دبور