تقع الزيارة الثانية للبابا إلى شبه الجزيرة العربية، منذ رحلته التاريخية إلى الإمارات سنة 2019، في إطار ملتقى البحرين للحوار “الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني” الذي حضره قرابة مئتيّ شخص، مسؤولون ورجال دين من الشرق الأوسط.
البابا ألقى كلمة اختتم بها الملتقى بحفل تم تنظيمه في ميدان “صرح الشهيد”، قصر الصخير الملكي، بحضور العاهل البحراني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، قال فرنسيس إنّ “عدداً قليلا” من اصحاب النفوذ يخوضون صراعاً من أجل “المصالح الخاصة، يحيون اللغات القديمة ويعيدون رسم مناطق النفوذ والكتل المتعارضة”.
وأضاف “للأسف الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين، لكن نحن هنا معاً لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه واختيارنا هو طريق اللقاء بدلاً من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى”.
ونبّه البابا مما وصفه بأنه “سيناريو مأساوي” حين قال: “نلعب بالنار وبالصواريخ والقذائف وبأسلحة تسبب البكاء والموت ونغطي البيت المشترك بالرماد والكراهية”.
وكرر البابا انتقاده للنزاعات التي تغزو العالم واللجوء الى لغة السلاح والتهديد باستخدام السلاح النووي على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دخل شهره التاسع ويعارضه بشدة.
في كلمة ألقاها في مسجد القصر الملكي، بعد ظهر اليوم الجمعة 04/11/2022، شدّد البابا على أن “إله السلام لا يقود أبداً إلى الحرب ولا يحرّض أبداً على الكراهية”، مندداً بالذين “يؤمنون بأساليب القوة ويدعمون العنف والحرب وتجارة السلاح وتجارة الموت”، في إشارة ضمنية الى بطريرك الارثوذكس الروس كيريل الداعم لغزو روسيا لأوكرانيا.
البابا استخدم كرسياً متحركاً للتنقل وعصا بسبب آلام مزمنة في الركبة، إلتقى شيخ الأزهر، في اجتماع مغلق، بعد ظهر اليوم الجمعة؛ هما، كانا التقيا سنة 2019 في أبوظبي حيث وقّعا وثيقة تاريخية حول الأخوة الإنسانية.
وقالت عضو مجلس الشورى في البحرين المسيحية هالة رمزي فايز لوكالة “فرانس برس” إن اللقاء بينهما “يمثل التقاء فكرين لإرساء أسس السلام ومبادىء التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والحضارات”.
وأضافت “إنها زيارة تاريخية لمملكة البحرين، نعتز بها جداً كمسيحيين لا في مملكة البحرين فحسب وإنما في المنطقة كلها”.
وفي كلمته أمام “مجلس الحكماء المسلمين” في مسجد القصر الملكي، بسط البابا يده مجدداً للحوار وقال “جئت إليكم مؤمناً بالله وأخاً وحاج سلام. جئت إليكم لنسير معاً”.
وبينما حمل البابا فرنسيس راية الحوار مع الإسلام وجّه شيخ الأزهر، في اختتام ملتقى البحرين، نداء الى علماء الطائفة الشيعية لعقد حوار إسلامي-إسلامي، يصار، خلاله، إلى نبذ “الفتنة والنزاع الطائفي”، في وقت تسود دول عدة توترات على خلفية مذهبية.
وتأتي زيارة البابا على وقع انتقادات منظمات حقوقية للبحرين إزاء سياسة التمييز التي تطال ناشطين ومعارضين سياسيين في البلاد التي شهدت اضطرابات في أعقاب تظاهرات مطالبة بتغيير نظام الحكم في 2011.
ودعت تسع منظمات حقوقية بينها “هيومن رايتس ووتش”، في بيان مشترك، الثلثاء المنصرم، البابا فرنسيس إلى الضغط على السلطات لوقف “تنفيذ جميع الإعدامات، وإلغاء عقوبة الإعدام، والتحقيق بجدية في مزاعم التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة” ووجّهت عائلات 12 محكوماً بالاعدام، أمس الخميس، إليه رسالة حثّته على طلب تخفيف الأحكام.
وكان البابا شدّد في خطابه الأول، أمس الخميس، أمام كبار المسؤولين ودبلوماسيين، على أهمية ألّا يكون هناك “تمييز ولا تُنتهك حقوق الانسان الأساسية، بل يتم تعزيزها”.
وتابع: “أفكر قبل كل شيء في الحق في الحياة، ضرورة ضمانه دائماً، حتى عند فرض العقوبات على البعض، حتى هؤلاء لا يمكن القضاء على حياتهم”، في إشارة ضمنية الى عقوبة الإعدام.
خلال 2017، نفّذت البحرين أول عملية إعدام بعد سبع سنوات من اعدام آخر شخص.. ومنذ ذلك الحين، أعدمت ستة أشخاص، بعضهم على خلفية قضايا ترتبط بالاضطرابات التي شهدتها البلاد في 2011 وهناك 26 شخصاً محكومين بالإعدام ما تنفي السلطات البحرانية الانتقادات ذات الطابع الحقوقي التي تطالها.
وقال وزير المال والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة لوكالة “فرانس برس”: “لدى البحرين مبادرات هامة للغاية في ما يتعلق بإصلاح العدالة الجنائية وهناك قنوات واضحة للغاية يمكن لأي من المدعيين التقدم بتظلماتهم لديها، ثمة مؤسسات مسائلة راسخة في المملكة”.
وشدد على ان البحرين لديها “أحد أقوى نظم حماية حقوق الإنسان والعدالة الجنائية وأكثرها تطوراً في المنطقة… نحن في الواقع نلعب دوراً رائداً في المنطقة في هذا الصدد”.
وتعليقاً على تأكيد البابا على “الحق في الحياة” قال المسؤول البحراني إن “إشارة قداسة البابا في خطابه كانت مرجعية عامة يمكن طرحها في بلدان تمثل ستين في المئة من سكان العالم”.
وتشيد السلطات البحرانية بمضامين خطابات البابا فرنسيس منذ وصوله.
وهذه الزيارة هي التاسعة والثلاثين للبابا الى الخارج منذ انتخابه على سدّة الكرسي الرسولي عام 2013، إذ شملت جولاته أكثر من عشرة دول ذات غالبية مسلمة، بينها الأردن وتركيا ومصر وبنغلادش والعراق.