أفاد مدير مكتب صحيفة “الأنباء” الكويتية لدى العاصمة اللبنانية بيروت عمر حبنجر في رسالته اليومية أنّ:
ليلة الحرائق، التي اشتعلت عمدا في طرابلس، تحولت إلى حرائق سياسية في نهار المنظومة السياسية الحاكمة في بيروت.
الرئيس ميشال عون اتهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعدم التعاون، ورد الرئيس الحريري عبر مكتبه الإعلامي بالإعراب عن الأسف والألم لصدور مثل هذا الكلام عن رئيس الجمهورية.
رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لوّح بحمل السلاح «لحماية نفسي ومؤسساتي إذا لم يتمكن الجيش من ضبط الوضع في طرابلس»، ورئيس بلدية طرابلس د.رياض يمق وصف الوضع الليلي بالمأساة، المبنى البلدي يشتعل، والجيش وقوى الأمن تأخرا بالوصول، حتى صهاريج الإطفاء كان هناك من يفتح صوابيرها لتصل الى مكان الحريق فارغة من الماء.
لكن نائب رئيس البلدية خالد الولي طمأن بعد تفقده مبنى البلدية، الذي بناه العثمانيون عام 1820، بأنه لايزال سليما، وان الملفات الأساسية الخاصة بالبلدية لم يطلها الحريق ولا أيدي العابثين. بدوره، أكد قاضي المحكمة الشرعية السنية الشيخ سمير كمال الدين، أن النار لم تتناول ارشيف المحكمة الشرعية.
جريدة «الأخبار» القريبة من حزب الله ردت التقاعس الأمني الذي حصل الى ما وصفته بصراع الأجهزة، على اساس انه منذ 17 اكتوبر يتحمل الجيش المسؤولية الأمنية في طرابلس وقد تأخر في النزول الى الشوارع، ما جعل قوى الأمن الداخلي ترسل قواتها الضاربة لكن بعد فوات الأوان.
الحريق السياسي انطلق من بعبدا، وعبر حديث للرئيس ميشال عون لجريدة «الأخبار» عينها، حيث هاجم فيه الرئيس سعد الحريري بالمباشر بقوله «ان الحريري لا يريد التعاون»، مكررا ما حصل في جولات مفاوضات التشكيل معه، قائلا: إن أحد أهداف تأخير التأليف رفض التحقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان.
وقال الرئيس عون: أنا شريك أساسي في تأليف الحكومة وفي الموافقة على كل اسم مرشح للتوزير، ولن نتحدث من الآن فصاعدا إلا في حكومة من 20 بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي.
ونقلت صحيفة «الأخبار» عن الرئيس ميشال عون تأكيده أنه ليس في وارد القبول بتمديد ولايته، أيا تكن الجهة التي تنادي به، ولا التفكير في ذلك حتى، وشدد على انه «ما دمت أحرص على صلاحياتي الدستورية وأتمسك بها، وأضع حدا لأولئك الذين اعتادوا الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، أو على بنود سواها في الدستور، حري أن أكون أول المتمسكين بنصوصه واحترام تطبيقها وعدم السماح بالنيل منها.
ردود الفعل على غلطة طرح التمديد الذي لا أوافق عليه لا تتوخى عند البعض سوى استغلال هذا الموقف للتصويب في منحى مغاير. سوى ذلك، لانزال في الثلث الثالث من الولاية. بكير بعد على الذين يعتمدون على كوابيسهم».
وقال عون: «في أحد اجتماعاتي مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، قال لي إنه الرئيس المكلف، وهو من يؤلف الحكومة كلها. طبعا هذا لم أسمح به قبلا، ولا الآن.
بحسب المادة 53، رئيس الجمهورية شريك أساسي في تأليف الحكومة، وفي الموافقة على كل اسم مرشح للتوزير، لأن مسؤوليتي كرئيس الجمهورية أن أحافظ على التوازن داخل الحكومة. المسؤولية مشتركة لا أحد يستأثر بها. من دون احترام التوازن وما أسميه المعايير الموحدة لن أوقع مرسوم حكومة».
وعن انقطاع التواصل بينه وبين الحريري، لفت إلى انه «لا حاجة الى أن أدعوه كي يأتي الى هنا. قلت له قبلا أهلا وسهلا به في بعبدا، عندما يريد أن يأتي ومعه مشروع حكومة غير الذي أتى إليّ به في آخر اجتماع بيننا في 23 ديسمبر أتى بمسودة من 18 وزيرا غير متوازنة، رفضتها. عندما يفكر في صيغة جديدة أبواب بعبدا مفتوحة للرئيس المكلف. أما إذا أصر على مسودته تلك فالأمر شأنه هو».
وأضاف: «في البداية اعتقدنا أن تباطؤه في التأليف مرده الى قلقه من إقدام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل انتهاء ولايته على عمل يستهدفه هو ويعرضه لعقوبات، في حال سمى وزراء يرضي بهم حزب الله. في ما بعد اكتشفنا أن المشكلة ليست هنا. أصبحت في تسمية الوزراء المسيحيين.
في المرة الأولى قال لي سم الوزراء المسيحيين التسعة. سألته عن توزير سليمان فرنجية، فأجاب أنه يتدبر الأمر معه. سميت، فذهب وعاد بموقف معاكس. من الطبيعي أن يسمي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين بسبب إحجام الأفرقاء المسيحيين عن المشاركة، إضافة الى رفض الرئيس المكلف أي دور للكتلة المسيحية الكبرى وأكبر كتلة في مجلس النواب التي يترأسها النائب جبران باسيل.
مع ذلك قلت له دعه جانبا، وسأتفاوض أنا معك. اخترع الثلث +1 على أنني أطالب به. هذا غير صحيح، ولم أطالب يوما بالثلث +1 لأن إرادة التعطيل عندما تتكون لا تقتصر على فريق واحد، بل أكثر من فريق وربما ائتلاف أفرقاء. فريق واحد لا يسعه التعطيل، ولدينا من الماضي القريب أمثلة وفيرة.
طالبت بستة وزراء، أي خمسة +1. هذه حصة التمثيل وليست حصة التعطيل. أتاني ردا على تمسكي بتمثيل المسيحيين للسبب الذي ذكرت، أنه هو الذي يريد أن يسمي لي الوزير المسيحي السادس المحسوب على حصتي.
عندما تسأله عن الوزراء الشيعة يقول انه متفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على وزارة المال، ومع حزب الله على وزرائه.
في النتيجة يسمي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وزيره، والشيعة وزراءهم، وحزب الطاشناق وزيره، وسليمان فرنجية كذلك، والحريري يسمي الوزراء السنة، ويريد أن يكون شريكا في تسمية الوزراء المسيحيين، هذا ما لا يمكن القبول به، لأنه يخل بالتوازن داخل الحكومة»، وشدد على انه «لن نتحدث من الآن فصاعدا إلا في حكومة من 20 بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي».
وقد رد الرئيس المكلف سعد الحريري على الرئيس عون عبر مكتبه الإعلامي وقال: «البلاد في واد من المعاناة والعهد القوي في واد آخر من اللامبالاة.. لا حكومة إلا من 18 ونقطة عالسطر!».
وأضاف: «من المؤسف والمؤلم جدا أن يصدر الكلام المنقول عن رئيس الجمهورية في جريدة «الأخبار»، فيما البلاد تواجه سيلا من الأزمات الصحية والأمنية والسياسية وتشهد العاصمة الثانية طرابلس هجمة منظمة تثير الريبة في أكثر من اتجاه، يبدو ان البلاد في واد من المعاناة والأزمات والعهد القوي في واد سحيق آخر من اللامبالاة والإنكار والتجني على الآخرين».
وتابع في بيان: «مما يفاقم الأسف ألا تبادر دوائر القصر الجمهوري إلى نفي الكلام وتوضيحه، منعا لتحميل الرئيس وموقع الرئاسة مواقف وروايات غير صحيحة، لا تستوي مع مكانة الرئاسة ومسؤولياتها الوطنية في هذه الظروف الصعبة.
وقد رأينا وجوب الإضاءة على بعض النقاط التي وردت في «مقالة» فخامته، بما يعيد تصويب الحقائق ويجنب الرأي العام اللبناني الوقوع في حبائل الخبريات المسمومة».
وقال الحريري «من الواضح من السياق الكامل للكلام المنسوب أن دوائر قصر بعبدا تريد توجيه الاشتباك الحكومي نحو مسارات طائفية، وهي تنزع بذلك عن رئيس الجمهورية صفة تمثيل اللبنانيين بمختلف أطيافهم لتحصر هذا التمثيل بمسؤوليته عن حصص المسيحيين في الدولة والسلطة والحكومة، وقد ورد قوله وفقا للمقال: لن أفرط بما أنجزناه خلال السنوات الأخيرة، بجعل الفريق المسيحي شريكا فعليا وليس صنيعة الآخرين الذين يفرضون مشيئتهم عليه.
هنا مصدر صلاحياتي الدستورية ومسؤولياتي السياسية. ولعل دوائر القصر تعلم، ولا تريد أن تعترف بأنه ليس سعد الحريري من يفرط بحقوق المسيحيين ودورهم ومكانتهم في الدولة والسلطة والمؤسسات، وإلا لما كان العماد ميشال عون في موقع رئاسة الجمهورية الآن.
وان سعد الحريري ابن مدرسة سياسية عبرت الطوائف منذ عقود وآمنت بالعيش المشترك قولا وفعلا ونصوصا دستورية.
إن نقل الخلاف السياسي الى ساحة التطييف محاولة غير موفقة ومرفوضة ولن تمر، لتنظيم اشتباك اسلامي ـ مسيحي، يفترض البعض انه أقصر الطرق الموحلة لتعويم من يريدون تعويمه وتعبيد طريق بعبدا للإرث السياسي».
وأشار مكتب الحريري الى انه «غاب عن الرئيس انه أودعني قائمة بمجموعة أسماء اخترت منها وفقا للأصول مجموعة من المشهود لهم بالكفاءة والاختصاص، نشر معظمها في المقال، كما غاب عن فخامته أن الحل الذي اعتمد لوزارة المال تم بالتوافق ولم يقع الاعتراض عليه من قصر بعبدا، بدليل أن الورقة التي سلمني إياها لاحظت تخصيص وزارة المال للشيعة.
أما الثلث المعطل فله كما يعلم شأن آخر يقودنا الى ورقة توزيع الحقائب على الطوائف وممثلي القوى السياسية، وهي ورقة تشكل خرقا تاما لمبدأ تشكيل حكومة من أهل الاختصاص، وتستدرج التشكيلة تلقائيا الى خانة الثلث المعطل».
وتابع: «في المحصلة يستحسن العودة الى التأكيد على أننا نطالب بحكومة من الاختصاصيين والقصر يريد حكومة من الحزبيين، والقطبة الخفية في هذا المجال لم تعد مخفية عندما يقول فخامة الرئيس في المقالة المنسوبة إليه. سايرناه في حكومة من 18 وزيرا. يبدو أنه لا يراها إلا كما يريدها هو. لن نتحدث من الآن فصاعدا إلا في حكومة من 20 بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي. وبالمختصر المفيد، لن تكون هناك حكومة إلا من 18 وزيرا.. ونقطة عالسطر».
رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب استنكر بدوره ما حدث في طرابلس ودعا إلى إحالة المجرمين الذين عاثوا فسادا في المدينة إلى القضاء لمحاسبتهم، وقال «لا تكفي الإدانة لتعويض طرابلس ما دفعته من أثمان باهظة بتوظيف ساحاتها في توجيه الرسائل السياسية النارية. خسارة طرابلس لا تقتصر على محاولة طمس تراثها وتاريخها، وإنما في العبث والشغب الذي أراد تشويه صورتها، وحاضرها، وما تختزنه من قوة إرادة صلبة لمواجهة التحديات».