دعا مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان خلال اجتماعه في دار الفتوى بالنواب المسلمين السنة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتمتع بمواصفات وَاضِحَة يريدها اللبنانيون وهي:
أولاً: الحِفَاظُ على ثَوَابِتِ الطَّائفِ وَالدُّستُور، والعَيشِ المُشتَرَك، وَشَرعِيَّاتِ لُبنانَ الوَطَنِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالدَّولِيَّة. وَلا يُمكِنُ التَّفرِيطُ بها مَهمَا اخْتَلَفَتِ الآرَاءُ وَالمَواقِفُ السِّيَاسِيَّة، لأنَّهَا ضَمَانَةُ حِفظِ النِّظَامِ وَالاسْتِقرَارِ وَالكِيانِ الوطني.
ثانياً: إنهاءُ الاشتباكِ المُصَطَنَعِ وَالطَّائفِيِّ والانقِسَامِيِّ بِشَأْنِ الصَّلاحِيَّات، وَالعَودَةُ إلى المَبدَأِ الدُّستورِيِّ في فَصلِ السُّلُطاتِ وتعاوُنِها.
ثالثاً: الاتِّصَافُ بِصِفاتِ رَجلِ العَمَلِ العَامِّ الشَّخصِيَّةِ والسياسية، لأنّ رَجُلَ العَمَلِ العَامِّ – كما يقولُ عُلماءُ السِّيَاسَة- تَحكُمُهُ أخلاقُ المُهِمَّة، وأخلاقُ المسؤولية.
رابعاً وأخيراً: الاتِّصافُ بِالخِبرَةِ والتَّجرِبَةِ والنَّزَاهَة، والانصرافُ الكُليُّ مَعَ السُّلُطاتِ الدُّستُورِيَّةِ والمُؤَسَّساتِ والمَرَافِقِ المُتاحَة، لإخراجِ البِلادِ مِنْ أزَمَاتِها، وَمَنْعِهَا مِنَ الانهيارِ الكامِل.
وقال المفتي دريان: لا بُدَّ مِنْ رئيسٍ بِهذِهِ الصِّفَات والنَّزَاهَةُ أهمُّ صِفَاتِه.. أو نَتَفَاجَأُ بِاختفاءِ النِّظَامِ ثُمَّ الدَّولة!
وأضاف: لايَخفَى عليكُمْ أنّ بَقَاءَ لالأَوطَانِ وَالدُّوَل، مَنُوطٌ بِفَعَالِيَّةِ مُؤَسَّسَاتِها الدُّستُورِيَّة، وَعَلى رَأْسِهَا رِئاسةُ الدَّولة. فالرَّئيسُ هو رَمزُ البِلاد، وَحَامِي دُستُورِها الذي عليه يُقْسِم؛ فَالرَّئيسُ المَسِيحِيّ، رَمزٌ وَوَاقِعٌ لِلعَيشِ المُشتَرَك، الذي يَقُومُ عليه النِّظَامُ الذي اصْطَلَحَ عَليهِ اللبنانيون. وَيَنظُرُ إليه العَرَبُ بِاعترافٍ وَتَقدِيرٍ لِلتَّجْرِبَةِ اللبنانية، لأنَّهُ الرَّئيسُ المَسِيحِيُّ الوَحِيد، في العَالَمِ العَرَبِيّ.
وتوجه الى النواب بالقول: لا بُدَّ مِن رئيسٍ جديدٍ يُحافظُ على ثوابتِ الوَطَنِ والدَّولة، فَيَا أيُّها النُّوَّابُ الكِرام، ساهِمُوا- وهذه مسؤولِيَّتُكُم – في التغيير، وفي استعادَةِ رِئاسَةِ الجُمهُورِيَّة، لاحْتِرَامِها وَدَورِها بِالدَّاخِل، وتُجاهَ الخارج. لا بُدَّ مِنْ رَئيسٍ جديدٍ لِلجُمْهُورِيَّة، وَأنتُمُ المَسؤولون عن حُضُورِهِ أَو إحضَارِه، وستكونون في طَلِيعَةِ المَسؤولين عَنْ غِيابِهِ لأيِّ سببٍ كان.
وتابع: نحن نَجتَمِعُ اليومَ لِهَدَفٍ هو أبعدُ ما يكونُ عَنِ الضِّيقِ الطَّائفِيِّ أوِ المَصلَحِيّ. لقد أردتُ جَمْعَ الشَّمْلِ على أهدافٍ وَطَنِيَّةٍ سامية. ونحن في الأصلِ أَهْلُ شُورَى وتعاوُن. فعلينا بِالوَحدَةِ مَهمَا اخْتَلَفَتْ آراؤنا، وَطنُنا في خطر. ودَولتُنا في خَطَر. ومُواطِنُونا في أَقْصَى دَرَجَاتِ البُؤس.
واختتم: البلدُ يَمُرُّ بِمَخَاطِرَ كبيرة، مِمَّا يَقتَضِي مِنَّا تَعزِيزَ وَحدَةِ الصَّفِّ الإسلاميِّ وَالوَطَنِيّ، وَنَدعُو إلى عَدَمِ المَسِّ بِصَلاحِيَّاتِ رِئاسَةِ الحُكومَة، وَالعَمَلِ مَا بِوُسْعِنَا كي نُسَاعِدَ الرَّئيسَ المُكَلَّفَ لِتَسهِيلِ مُهِمَّتِه، هذه مَسؤوليَّةٌ مُشتَرَكَة ، تَقَعُ على عَاتِقِ الجميع، ونحْنُ نَتَوَسَّمُ ونَسْتَبْشِرُ خَيْراً بَتَشْكِيلِ الحُكومةِ العَتِيدَةِ بالسرعةِ المُمْكِنةِ وفي الأيامِ القَليلةِ المُقْبِلة، لأنَّ وَطنَنَا لبنان يحْتَاجُ في هذه الظروفِ القَاسِيةِ والصَّعْبَةِ إلى حُكُومَةٍ كاملةِ الصَّلاحِيَّات، لا إلى بقَاءِ حكومةٍ لتَصْرِيفِ الأعمال.
وتَوافَقَ المُجتَمِعون، في بيان صدر عنهم، على ما يلي:
أولاً: تَجدِيدُ التَّمَسُّكِ بِالثَّوَابِتِ الإسلامِيَّة التي أُطلِقَتْ وَأُعلِنَتْ مِنْ دَارِ الفتوى، حَولَ الإيمانِ بِلبنَانَ وَطنًا نِهائيًّا لِجَمِيعِ أبنائه. وَتَجدِيدُ التَّمَسُّكِ بِمَا نَصَّ عليه اتِّفَاقُ الطَّائف، بِالنِّسبَةِ إلى هُوِيَّةِ لبنانَ العَرَبِيَّة، وَلَلأُسُسِ التي تَقومُ عليها الوَحدَةُ الوَطَنِيَّةُ بَينَ عَائلاتِهِ الرُّوحِيَّةِ جميعًا.
ثانيًاً: تأكيدُ التَّمَسُّكِ بِالمبادِئِ العَامَّةِ التي تُحقِّقُ المُسَاوَاةَ فِي المُوَاطَنَةِ حُقوقًا وَوَاجِبات، وإدانَةُ كُلِّ التَّجَاوُزاتِ التي أدَّتْ فِي السَّابِقِ ولا تَزَالُ تُؤدِّي إلى طَعنِ أُسُسِ الوِفاقِ الوَطَنِيّ، وَالعَيشِ المُشتَرَكِ في الصَّمِيم، لِحِسابَاتٍ فَردِيَّةٍ أو حِزبِيَّةٍ أو طائفِيَّة. فاللبنانيون، جَميعُ اللبنانِيِّين سَواءٌ أمامَ القانونِ فِي الحُقوقِ وَالوَاجِبَات، ولا فَضلَ لِجَمَاعٍة على أُخرَى إلا بِمِقدَارِ مَا تُقَدِّمُهُ لِلبنانَ الوَاحِدِ وَالمُوَحَّد، وَلِرِسَالتِهِ الإنسانِيَّةِ فِي العَيشِ المُشتَرَك.
ثالثًاً: لقد عَانَى لُبنانُ مِنْ سُوءِ الإدارة، وَدَفَعَ غَاليًا جِدًّا نَتِيجَةَ اسْتِشْرَاءِ الفَسادِ الذي أَصبَحَ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيد، وَتَحتَ الحِمَايَةِ السِّيَاسِيَّةِ أحيانًا، وَمُشَارَكَتِها أحيانًا أخرى، أَصبَحَ جُزءًا مِنْ مَنظُومَةِ الإدارَةِ السِّيَاسِيَّة، وَرُكنًا مِنْ أَركَانِ بَعضِ المُشتَغِلِين فِي الشَّأْنِ العَامّ، مِنْ سِيَاسِيِّينَ وَإدَارِيِّين، الأَمْرُ الذي أَوصَلَ لبنانَ إلى مَا هُوَ عليهِ الآنَ مِن فَشلٍ وَتَرَدٍّ وَانْهِيَار. لقد آنَ لِهذِه المُعانَاةِ أنْ تَنتَهِي، وَآنَ لِقَوَاعِدِ الفَسَادِ أَنْ تَنْدَثِر، وَآنَ لِلبنانَ أَنْ يَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاء، وَيَنطَلِقَ مِنْ جَديدٍ وَطَنَ المَحَبَّةِ والازْدِهَارِ وَالرَّخَاء.
رابعاً: إنَّ العَمَلَ على إِنقاذِ لبنانَ مِمَّا هُوَ فيه، إلى مَا يَجِبُ أَنْ يَكونَ عليه، يَتَطَلَّبُ أولاً الاعترافَ بِالخَطَأ. وَيَتَطَلَّبُ ثانيًا الرُّجُوعَ عن هذا الخطأ. وَيَتَطلّبُ ثَالِثًا مُحَاسَبَةَ المُرتَكِبِينَ أيًّا كانوا. وَيَتَطَلَّبُ رَابعًا تَعاوُنًا مُخلِصًا بَينَ جَمِيعِ أبنائه، وَبَينَهُمْ وَبَينَ الإخوَةِ العَرَب، وَالمُجتَمَعِ الدَّولِيّ، لِيَسْتَعِيدَ لبنانُ هُوِيَّتَهُ وَدَورَه، وَلِيَستَرجِعَ مَكانَتَهُ حَاجَةً عَرَبِيَّةً وإنسانِيَّة.
خامساً: لا يَستَطِيعُ لبنانُ أَنْ يَتَوَقَّعَ يَدًا عَرَبِيَّةً شَقِيقَةً تَمتَدُّ إليه لِلمُساعَدَة، وفيه مَنْ يَفتَرِي ظُلمًا على الدُّوَلِ العَربيةِ الشَّقِيقَةِ إلى حَدِّ الاستِعدَاء، مِمَّا يُشوِّهُ الأُخُوَّةَ العَربِيَّةَ التي مَعَها يَكونُ لبنانُ أو لا يكون.
وَيَتَعَهَّدُونَ العَمَلَ بِتَفَانٍ مِنْ أَجلِ تَحقِيقِ الأهدَافِ الوَطَنِيَّةِ الآتية:
– المُحافَظَةُ على سِيَادَةِ لبنانَ وَوَحدَتِهِ وَحُرِّيَّاتِه، وعلى حُسنِ عَلاقَاتِه، خُصوصًا مَعَ الأُسرَةِ العَرَبِيَّةِ التي يَنتَمِي إليها. والعملُ مَعَ زُملائهِمُ النُّوابِ الآخَرِين مِن كُلِّ الطَّوَائف، ومِن كلِّ المَنَاطِق، لِرَدِّ الأَذَى عَنْ أيِّ عُضوٍ مِنْ أعضاءِ هذه الأُسرَةِ العَرَبِيَّة، وعدمُ التَّدَخُّلِ فِي شُؤونِها الدَّاخِلِيَّة.
– العَمَلُ مَعَ زُملائهِم أَعضَاءِ المَجلِسِ النِّيَابِيِّ على انتِخَابِ رَئيسٍ جَدِيدٍ لِلجُمْهُورِيَّة، فِي المَوعِدِ الدُّسْتُورِيِّ المُحَدَّد، يَكُونُ مِمَّنْ يَحتَرِمُونَ الدُّستُور، وَيَلتَزِمُونَ القَسَمَ الدُّستُورِيّ، وَفَاءً لِشَعبِ لبنانَ وَلِمَصَالِحِه العُليا.
– التَّأكِيدُ على أنَّ عَدُوَّ لبنانَ كانَ وَلا يَزَالُ هُوَ العَدُوَّ الإسرائيلِيّ، الذي يُوَاصِلُ احْتِلالَ أَجزَاءٍ مِنَ الأَرَاضِي اللبنانِيَّة، كَمَا يَحتَلُّ مُقدَّسَاتٍ إسلامِيَّةٍ وَمَسِيحِيَّةٍ فِي القُدس، وَفِي العَدِيدِ مِنْ مَنَاطِقِ وَمُدُنِ فِلَسطِينَ المُحتَلَّة. وَهُمْ إذْ يُحَمِّلُونَ المُجتَمَعَ الدَّولِيَّ مَسؤولِيَّةَ استِمرَارِ هذا الاحتِلالِ العُدوانِيِّ الذي يُشَكِّلُ تَحَدِّيًا لِلشَّرعِيَّةِ الدَّولِيَّة، وَلِلحُقوقِ الوَطَنِيَّةِ لِلشَّعبِ الفِلَسطِينِيِّ الشَّقِيق، وَبِصُورَةٍ خَاصَّةٍ لِلمُقَدَّسَاتِ الإسلامِيَّةِ وَالمَسِيحِيَّة، يَدْعُونَ إلى تَطبِيقِ قَرَارَاتِ الأُمَمِ المُتَّحِدَة، التي تَنُصُّ على الانْسِحَابِ الإسرائيلِيِّ مِنَ الأَرَاضِي الفِلسطِينِيَّةِ المُحتَلَّة، وعلى اعتبَارِ مَدِينَةِ القُدسِ ذَاتِها، مَدِينَةً مُحتَلَّة.
واختتم البيان: إنَّ دَارَ الفَتوَى فِي الجُمهورِيَّةِ اللبنانية، التي تَعتَبِرُ نَفسَها دَارًا وَطَنِيَّةً لِلبنانيينَ جميعًا، إذْ تَعمَلُ على جَمْعِ مُمَثِّلِي المُسلِمِينَ السُنَّةِ فِي المَجلِسِ النِّيَابِيِّ على كلمةٍ وَطَنِيَّةٍ سَوَاء، تَحرِصُ على أَنْ يِتَحَقَّقَ ذَلكَ في إطارِ وَحدَةِ الكَلِمَةِ اللبنانِيَّة، التي تُعبِّرُ عَنْ هُوِيَّةِ لبنانَ وَرِسالتِه، والتي تَلتَقِي حَولَهَا الأُسْرَةُ اللبنَانِيَّةُ الوَاحِدَةُ بِجَمِيعِ مُكوِّنَاتِها.
حضر الاجتماع 24 نائباً من أصل 27 نائب وقد غاب كل من نائب صيدا اسامة سعد ونائب بيروت ابراهيم منيمنة ونائب الشوف حليمة قعقور والاخيران من قوى التغيير.
وبعد الاجتماع انتقل المفتي دريان والنواب إلى دار السفارة السعودية في “اليرزة” تلبية لدعوة السفير وليد البخاري إلى عشاء تكريمي.