أثارت قضية توقيف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج، الاهتمام، خصوصاً ان الموقوف له مكانته الدينية ويتنقل بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أثار ريبة الأمن العام، فتم توقيفه، اليوم الإثنين 18/07/2022، عند معبر الناقورة، بينما كان عائداً الى لبنان، لثماني ساعات في مركز الأمن العام حيث خضع للاستجواب.
وأفادت المعلومات المتداولة بأن التوقيف تم بناء على قرار من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي، وأن المطران شعر بالمهانة نتيجة إخضاعه لتفتيش دقيق شمل كل الأغراض التي ينقلها معه ولم تتم مراعاة مركزه الديني، بالاضافة لكونه نائباً بطريركياً يمثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقد أطلق سراحه بعد كل هذا الوقت وعقب تدخل مراجع كنسية وقضائية عليا.
وبحكم وظيفته ومهامه الدينية يتنقل المطران الحاج بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وهي قاعدة يتمتع بها رجال الدين المسيحيون اللبنانيون الذين يخدمون الرعايا هناك وليست استثناء. وقد ذهب البطريرك الراعي نفسه وزار الرعايا هناك.
وبعد توقيف المطران الحاج التأم، استثنائياً، المجمع الدائم لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية في الصرحِ البطريركي الصيفي بالديمان، بدعوة من البطريرك الراعي، لمناقشة “التعدّي المؤسف والمستهجَن الذي تعرض له المطران الحاج عند مركز الأمن العام الحدودي جنوب لبنان”.
أكد المجمع، في بيان، أن المطران الحاج احتجز من دون أي اعتبار لمقامه الروحي “وحققوا معه من دون مبرّر في مركز أمنيٍّ، وصادروا منه جواز سفره اللبناني وهاتفه وأوراقه والمساعدات الطبية والماليّة التي كان يحملها إلى المحتاجين والمرضى في لبنان من كل الطوائف ومن محسنين لبنانيين وفلسطينيين، لأن دولتهم لم تُحسن في السنوات الأخيرة إدارة البلاد لتؤمّن لشعبها حاجاته الأساسية”.
وأضاف البيان أن “البطريركية المارونية ما كانت تظن أنها يمكن أن تصل إلى زمن في جمهورية لبنان الكبير يتم التعرض فيه إلى أسقف من دون وجه حق وخلافاً للأصول والاعراف ومن من دون أي اعتبار لشخصه ومقامه ودوره ورسالته ومن دون العودة إلى مرجعيته الكنسيّة العليا التي كان لها ولا يزال الدور الرائد والطليعي في تأسيس هذه الجمهورية واستمرارها”.
وإذ رفض المجمع واستنكر بأشد العبارات “ما اقتُرف عن سابقِ تصوّر وتصميم، وفي توقيت لافت ومشبوه، ولغايات كيديّة معروفة، بحق المطران الحاج”، طالب بوقف “هذه المسرحية الأمنية، القضائيّة والسياسية، وإعادة كل المساعدات التي احتجزت لتصل الأمانات إلى أصحابها الذين ينتظرونها، وإغلاق هذه القضيّة فوراً، كما طالب بإحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي وتنحيته”.
إعلامياً، تم تداول أخبار صحفية دعوة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي للمطران الحاج للاستماع إلى أقواله، واشتراط المطران تسليمه ما جرى حجزه في الناقورة في المقرّ الأمني، إلا أن القاضي عقيقي نفى ذلك في حديث صفحي، مؤكداً أنه “ليس على علم بما ورد إعلاميا”.
واعتبر عقيقي أن “الأموال التي كان ينقلها المطران الحاج، والتي بلغت نحو 460 ألف دولار، هي ليست ملك الكنيسة إنّما مصدرها من عملاء مقيمين في إسرائيل يعمل غالبيتهم لصالح العدو في الأراضي المحتلة وهي تخضع للأحكام القانونية اللبنانية المتعلّقة بكلّ ما يدخل لبنان من الأراضي المحتلة وتطبق على كل قادم منها”، وإذ اكد القاضي احترامه للكنيسة أشار إلى أن “هناك قانون مقاطعة إسرائيل ومن واجبي بصفتي قاضٍ أن أطبّقه”.
كما أشارت المديرية العامة للأمن العام إلى أن “ما قامت به عناصر المديرية في مركز الناقورة الحدودي مع المطران الحاج، هو إجراء قانوني تنفيذاً لإشارة القضاء من جهة، والتعليمات الخاصة بالعبور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يخضع لها كل العابرين دون استثناء، من جهة ثانية”.
وأوضحت المديرية في بيان صدر اليوم أنه “منذ اللحظة الأولى التي تبدأ فيها إشارة القضاء المعني بالتنفيذ، يصبح المحقق العدلي في مركز الأمن العام بتصرّف المرجع القضائي صاحب الإشارة طيلة فترة التحقيق حتى إقفال الملف”.
ونفت ما تناقله بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن ان اتصالاً وحواراً اجراه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالبطريرك الماروني، على أثر ما حصل مع المطران الحاج معتبرة أن “ما ورد في التسريبات المزعومة هو من نسج الخيال، يستبطن نوايا خبيثة تهدف إلى الدخول على العلاقة الممتازة القائمة بين الصرح البطريركي والمدير العام للأمن العام، كما تحاول يائسة دك إسفين في علاقة التعاون والتنسيق اليومي القائمة بين قادة ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية”.
وبعد أن تداولت معلومات أن جزءاً من الأموال التي صودرت مع المطران الحاج تعود لشيخ العقل أبي المنى، نفى المكتب الإعلامي للمشيخة الأمر، مؤكداً أن لا معرفة سابقة لأبي المنى بالمطران الحاج، و”إن كان على علم، كما الكثيرين، بالعمل الإنساني الذي يقوم به مشكورا”.
هنا ضج الوسط السياسي بتوقيف المطران الحاج في لبنان فشنّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هجوماً على القاضي عقيقي، معتبراً ان “المطلوب من رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز وضع حد لتصرفات القاضي عقيقي وصرف النظر عن استدعاء المطران الحاج والاستماع إليه”.
وأضاف في بيان “المطران الحاج هو نائب بطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية، ومن صلب مهامه زيارة الأديرة المارونية في تلك الديار والاطلاع على شؤونها وترتيب أمورها”، معتبراً انّ استدعاءه إلى التحقيق في المحكمة العسكرية “ليس انطلاقاً من شبهة أو دليل أو قرينة ما، بل نعده رسالة إلى غبطة البطريرك الراعي انطلاقاً من مواقفه الوطنية”.
من جانبه وصف الرئيس الأسبق للجمهورية اللبنانية أمين الجميل توقيف المطران الحاج والتحقيق بأنه “طعنة موصوفة سدّدها فكر بائد سياسي – قضائي – أمني ضد ما يمثله سيادة راعي أبرشية الأراضي المقدسة من قيمة ودور، من خلال رعايته أحوال الموارنة، وأيضاً سائر الطوائف المسيحية والمسلمة في القدس والأراضي الفلسطينية”.
وأشار، في بيان، إلى أن “الأجهزة القضائية والأمنية بتوصية سياسية، مصممة على أن تثبت قدرتها وتمارس سلطتها على فريق واحد يجري استهدافه من غير وجه حق، في وقت يتمتع المطلوبون للعدالة بكل وسائط الحماية والتكريم والترفيع”.
كما دان “التيار الوطني الحر”، في بيان، التعرض للمطران الحاج، مطالباً بالمبادرة فوراً إلى “تصحيح الخطأ الجسيم الذي إرتكب بحقه” وأوضح أن “مهام المطران الحاج الراعوية لا تنفصل عن أهداف الكنيسة الحاضنة لكل أبنائها، ولا تحتمل لا تأويلاً ولا مصادرة. فكيف إذا كان جلّ مراده مساعدة لبنانيين أفقرهم زعماء تآمروا عليهم وسرقوا أموالهم وسلبوا مستقبلهم، يغطّونهم قضاة متخاذلون ومسؤولون متواطئون ومتورطون حتى النخاع؟”.
النائب أشرف ريفي غرّد، عبر “تويتر”، كاتباً انه “كالعادة، يستعمل حزب الله المحكمة العسكرية لتمرير رسائل الترهيب، وهذه المرة طالت النائب البطريركي موسى الحاج في رسالة للكنيسة المتمسكة بالسيادة” وأضاف أن “الممانعة تعيش على اتّهام المسيحيين بالعمالة، والسنّة بالداعشية، والشيعة الأحرار بشيعة السفارات”.
أما الوزير السابقة مي شدياق، فذكرت في تغريدة أن “عام 2000، هدد نصرالله: سنذبحهم في فراشهم! والتسجيلات موجودة. الرئيس ميشال سليمان وعد بحل للمبعدين قسراً لإسرائيل لكن تسييس القضاء ردعهم. دعم هؤلاء أهلهم في لبنان بالمال والدواء ليس ذنباً إنما إدانتهم كلائحة عملاء وتوقيف المطران الحاج هو الذنب! التهريب يحصل من سوريا وإيران. بكركي خط أحمر”.
وفي موقف متمايز غرّد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، عبر “تويتر”، كاتباً: “أياً كانت الملابسات وراء توقيف المطران الحاج، إلا أنه من المفيد التنبيه بأن المعالجة الهادئة أفضل من هذا الضجيج، وأن احترام المؤسسات في هذا الظرف الصعب فوق كل اعتبار” وأضاف “من ناحية أخرى، نرفض الاستغلال الاسرائيلي لمقام رجال الدين في محاولة تهريب الأموال لمآرب سياسية”.
كلام جنبلاط استدعى رداً من النائب السابق فارس سعيد، معلّقاً، مغرداً: “وليد بك، لك منّا محبّة وصداقة واحترام وسنبقى أوفياء لما قمت به في الـ2005، المطران الحاج لا يعمل لدى الاسرائيليين لتنفيذ مآرب سياسية، إنه رجل دين يساعد الناس ولا يحمل أي خلفية سياسية”.