بقلم/ منصور شعبان
الحركة الثقافية اللبنانية في بلاد الاغتراب تكاد تكون ملفتة من حيث توجهها المعبّر عن رؤية صاغتها أقلام الشعراء وهم كثر في هذا المجال.
قد تكون المقدمة طويلة في شرح واستعراض الأسماء، لكن يبقى أن الأهم ما ينظمون ولو أن عملية الاختيار محرجة لكي لا تتم المفاضلة على أساسها، لكن كلهم يعطون المطلوب من قصائد جميلة.
هي الأفكار من كل كلمة تأتي محلقة تائهة في البحث عن الذات، ذات الجمال وآفاق الشعر كما جسدتها شاعرة الأرز كاتيا نصرة بشفافية عالية وإحساس عميق في كل بيت نظمته، من خلال كتاب اختارت له اسماً يحكي الحب “مع حبي”، فهي، إضافة لنشاطها الاجتماعي تعمل من أجل السلام وتدعو لتحقيقه بغية التقريب بين الناس، ناهيك عن مشاركتها بالحملات لنشر الوعي الوطني بكل الأنشطة وجعل اسم لبنان عالياً فوق مختلف الاعتبارات وتنوعها؛ كاتيا نصرة لبنانية قبل أي شيء آخر.
ولدى إجرائي بحثاً عن هذه المغتربة في المانيا، وفي مهاجر جبران خليل جبران، وجدت الحقيقة الساطعة في التعبير الصح.
هي كتبت مقالاً، سنة 2020، يستحق التوقف عنده من عنوانه أولاً ومضمونه ثانياً، تقول تحت عنوان:
ذكريات
عند العصر، تجلس بنات افكاري في زاوية المنطق لتبحث عن حقيقة قصتي معك..
وتسأل: لماذا تتسارع دقات قلبي عند ذكر اسمك؟
لماذا ترتجف يدي عندما أرى بقايا الحلم؟
لماذا تتوقف النبضات باحثة عن الذكريات؟
لماذا كل ما هطلت حبة مطر، تتسابق دموعي غير آبهة بموضع الألم؟ وتتسابق الليالي، وتتجمل الأيام.
وانا حيث انا هناك في البعيد أراقب بصمت أخباراً عشوائية تخبرني كل شيء إلا ما أريد أن اسمعه..
قسوة هنا وهناك، فقر في كل البلاد، حزن، موت ونفايات مكدسة، وحده اسمك ما زال يتمسك في كل أنحاء جسدي تماماً كالطفل الضائع..
وأعيد الكرة بالتفكير وأحاول من جديد وما زالت الغربة هي المنتصرة وما زال الشوق هو الذي يحمل السكين بين أسنانه..
إلى متى يا ربي؟
فموسيقى السنين صارت على نغم واحد، والانتظار كتب قصة هذا الحب على جدار الصمت القاتل..
ولكن كما كانت لنوح سفينة، وكما كانت للغريق قشة.. كما كان الصبر لأيوب، وكما تدحرجت الصخرة في اليوم الثالث كذلك ستكون قيامتك يا لبنان.
هكذا سنعود لأننا سنعود و… سنعود.
لبنان انت حبي الوحيد إلى الأبد.
ومن ديوانها المنشور بتاريخ 02/08/2012، من قبل الدار العربية للعلوم – ناشرون، عنوانه “مع حبي” قصائد باللهجة العامية اللبنانية بعفوية.
وتقع في الديوان أكثر من مائة قصيدة منها: “همسات”، “رسالة” ما بعرف لمين”، “لحظة وفا!!”، “كلمة حب وغنية”، “ما تغيب”، “حنين”، “أوف وميجانا”، “يا غايب”… وناجت وطن الأرز الخالد:
“أنا جايي، حاملة قلبي بإيدي
لصبّح تراب لبنان، وجبالو العنيدة
وإنت يا ابن وطني.. في إلك معي قصيدة
بتحكي عن ليل الوفا.. وكم ترتيلة جديدة
سرّك بيبرّ الصفا.. وبلبل تخبّا ورا التغريدة
عوجّك ترسم ابتسامة رضى.. تموت التنهيدة
تقلِّي يلاّ عدنية الغفى، وفيي عملي شو ما بتريدي. –مع حبي”.
وفي ثنايا القصائد، ثمة تقاطعات بين الشعر المحكي والشعر العامي بألوانه العفوية الجميلة، ومنها استيحاء كاتيا نصرة الطبيعة اللبنانية وتمجيد القيم الريفية والنزوع الرومنسي إلى العائلة وذكريات تنسل بخيال حافل بأجمل محطات العمر وخاصة (ذكريات من الضيعة.. غالية) تقول:
“… وين الطفولة.. والقبو.. حدّو رجعت مرّقتني/
والتوت يدلدق من الدلو/ وين جدي ونايو الحلو/
وين التنور والنسوان ترق/ عدقّة قلبي الحسون يرق/ وين الصبايا هالعروس يحَنّو/ ودود القز.. يكتبو الشعر ويغنو/ رزق الله ع هاك الأيام/ بمسح دمعة.. بتجرّب تغفى وما بتنام –مع حبي–”.
وتتحدث كاتيا عن نفسها في مرآتها:
أنا مرا يا الله شو بتحب الدني/ قلبها على وطن
مجروح من الولدنة/ بتحب ولادها، هني عينها وما
إلها عنن غني/ محرومة من الحب والعيش الهني/يا ريت بس الأيام مرة تحن وتسألني شو بني -مع حبي-“.