إنتشرت، مساء اليوم الأربعاء 01 شباط/ فبراير 2023، عبر تطبيق “واتسآب”، رسالة وجهها إلى زملائه القضاة، نصّها ما يلي:
“مَنْ يُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ لِيُفَكِّرَ فِي الأَكَاذِيبِ، وَمَنْ يَعَضُّ شَفَتَيْهِ، فَقَدْ أَكْمَلَ شَرًّا” (سفر الأمثال 16: 30).
العدلية لا تحتمل ان تكون منقسمة على نفسها، وصحيح ان معظم القضاة وأنا منهم لا يريدون ان يكونوا جزءاً من أي انقسام من شأنه المسّ بكرامة “القضاء والقضاة”، ولكن الصحيح أيضاً أن هناك نصوصاً صريحةً مفترض أن يتم تفعيلها صوناً لهذه الكرامة ولا سيّما المادة 4 من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تنصّ على أن “يسهر مجلس القضاء الاعلى على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم ويتخذ القرارات اللازمة بهذا الشأن”.
فهل من أمر من شأنه أن يمسّ بحسن سير القضاء أخطر من “اجتهادٍ غير مألوف وغير مدروس” يجعل من القضاة مسؤولين بشخصهم وبجسدهم عن القرارات التي يصدرونها أو الاشارات التي يعطونها، وكأنها “أفعال مادية” ذات “غايات ارادية” في حين أنها “أعمال قانونية” غير لصيقة بشخص القاضي بل مستمدّة من اختصاصه، وهي بطيبعة الحال تخضع لأسباب طعنٍ تنصّ عليها القوانين، وحتى في حال الخطأ “الجسيم” ثمة اصول للمراجعة لا تجعل من القاضي مسؤولاً بشخصه.
وهل يمكن لمرجعٍ غير مختص أساساً في تقويم قرارات زملائه أن يُنصّب نفسه ليس مرجع طعنٍ فحسب بل مرجعاً لمحاسبتهم بشخصهم وبحريّتهم؟
ما هو مصير النصوص التي تتحدث عن الاصول الخاصة بملاحقة القضاة؟
ما هو الموقف من تجاوز قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز والغرفة المختصة في محكمة التمييز التي قضت باعتبار المحقق العدلي خاضعاً، كغيره من قضاة التحقيق وكل القضاة لامكانية الرد او نقل الدعوى من أمامه، اذا تم قبول طلب نقل الدعوى من أمام القاضي فادي صوان، وهو الموقف الذي امتثل له كل من وزير العدل القاضي هنري الخوري، عبر اقتراح اسمٍ جديد هو القاضي طارق بيطار، ومجلس القضاء الاعلى، عبر موافقته على الاسم المقترح، كما امتثل له كل من المحقق العدلي الحالي الذي قبل المهمة والسابق الذي سلّمه الملف دونما اعتراض أو تحجّج بأنه لا يخضع لأحكام الردّ ونقل الدعوى.
أوَليس القرار الذي صدر الاسبوع الفائت باعتبار المحقق العدلي نفسه غير معني بكل ما تقدّم، يشكّل تجاوزاً لكل تلك المراجع من مجلس قضاء وهيئة عامة ومحكمة تمييز ووزير عدل؟
هل يُمكن أن تُطلب أذونات للملاحقة من محققٍ عدلي أوّل ومن محقّق عدلي ثانٍ، وبعد ٣٠ شهراً من انفجار المرفأ يكتشف الاخير أنه ليس بحاجة لأي أذونات؟ هل هو فعلا اكتشاف وكأن القوانين أصبحت مظلمة أكثر من المناجم؟ أم هو في الواقع بدعةٌ لن نعثُر على تبريرٍ لها في أي من المعاجم؟
هل يُعقل أن يمرّ الكلام الذي تم تداوله بأنه يجري البحث بامكانية عقد القاضي بيطار لجلسات التحقيق في قصر العدل في المتن من دون تعليق؟
هل أصبح هناك عدلية في “الشرقية” وعدلية اخرى في “الغربية”؟
هل أن البعض في العدلية وخارجها يعتبر أن القاضي طارق البيطار هو قاضٍ “للمسيحيين” والقاضي غسان عويدات هو قاضٍ “للمسلمين”؟
أوَليس القاضي بيطار هو رئيساً لمحكمة جنايات بيروت عاصمة لبنان الموحّدة، أم ثمّة من يعتقده من “قبضايات الحيّ”؟
أوَليس أيضاً القاضي غسان عويدات هو النائب العام التمييزي للبنان الواحد؟ أوليس هو المسلم السنّي من أخذ بصدره معالجة موضوع المطران موسى الحاج بما يحفظ كرامة الكنيسة ورجال الاكليروس وبما لا يتعارض مع القانون، يوم كانت الكنيسة ترفع ما يُشبه الحرم الكنسي بوجه قاضٍ آخر من رعيّتها لاعتراضها على قراراته المسندة بدورها الى القانون؟
كلّها أسئلة تحتاج لإجابات، والواقع أن أي إجابات لن تأتي من دون صدقٍ في النوايا أبعد من كل هذه الاحداث، وكما ورد في الانجيل المقدّس “مَنْ يُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ لِيُفَكِّرَ فِي الأَكَاذِيبِ، وَمَنْ يَعَضُّ شَفَتَيْهِ، فَقَدْ أَكْمَلَ شَرًّا” (سفر الأمثال 16: 30).