بعد الكارثة الفاجعة التي حلّت بإيران، وأودت بحياة شهدائها: رئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين، تصوّر البعض ممن يختزنون في داخلهم العداء، والكراهية للنظام الإيراني، ومعهم بعض وسائل الإعلام، والأقلام الصفراء، أنّ إيران بعد رحيل شهيدها الرئيس إبراهيم رئيسي، ينتظرها صراع على السلطة، وانقسامات في داخل البلاد.
هؤلاء الذين يتناغمون مع القوى الأجنبية الخارجية المعادية بالشكل والأساس للنظام الإسلامي الإيراني، لا يتوقع منهم غير ذلك، لكونهم يصرّون على عدم فهم ومعرفة حقيقة النظام الإيراني وتركيبته، وصلابته واحترامه وتقيّده بالمؤسسات التي صانها الدستور الإيراني، والتزم به القادة الإيرانيون منذ قيام الجمهورية عام 1979 وحتى اليوم.
لقد أثبتت إيران قيادة، وحكومة وشعباً بعد الفاجعة الكبيرة التي طالتها، أنها أكبر من المحن والأزمات، وأنّ للجمهورية الإسلامية أسسها الدستورية الصلبة، ترتكز إليها وهي تواجه من حين إلى حين، تحدّيات جمة، وأوضاعاً ثقيلة صعبة خلال مسيرتها الطويلة.
عام 1981، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية جمهورية فتية، وكانت في حالة حرب شرسة فُرضت عليها، عندما حصل تفجير إرهابي نفذته منظمة «مجاهدي خلق»، وأودى بحياة رئيس الجمهورية محمد علي رجائي، ورئيس الوزراء محمد جواد بهنار، وعدد من كبار المسؤولين، فإذا بطهران تستوعب الصدمة بسرعة، فيما المؤسسات استمرّت بتأدية عملها بشكل طبيعي، ولتقوم بعد ذلك بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدّد عملاً بمواد الدستور.
بعد 43 عاماً تحلّ بالأمة الإيرانية مرة أخرى، مأساة إنسانية وفاجعة كبيرة، ورغم ذلك، لم تمنع الفاجعة من أن تقوم المؤسّسات بالتحرك على الفور للاضطلاع بمسؤوليتها، ولتأدية ما يتوجب عليها القيام به في هذه الظروف الاستثنائية الحساسة. هذا ما جرى بعد أقلّ من عشرين ساعة على حدوث المأساة الفاجعة، حيث تمّ تطبيق نصوص الدستور ذات الصلة بشغور منصب رئيس الجمهورية، لتتولى على الفور لجنة مؤلفة من نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشورى (البرلمان)، ورئيس السلطة القضائية، لإدارة البلاد لفترة محدّدة، وبموافقة مسبقة من المرشد الأعلى للجمهورية الإمام علي الخامنئي، والقيام بإجراء التحضيرات اللازمة لانتخاب رئيس للجمهورية، إذ من المقرّر إجراؤها خلال 50 يوماً، بعد شغور منصب الرئيس.
إنّ اضطلاع المؤسسات الإيرانية على الفور بمسؤولياتها الدستورية، يدلّ على مدى متانة النظام وتماسكه، ودور وفعالية المؤسسات، والتزامها بالدستور وتطبيقها له نصاً وروحاً.
منذ عام 1979، لم تتوقف المؤسسات الدستورية في إيران لحظة عن عملها، حتى في أحلك الظروف الاستثنائية وأصعبها، لا سيما أثناء الحرب المفروضة عليها عام 1980، والتي دامت لثماني سنوات. إذ أنّ انتخابات مجلس الشورى، والمجالس المحلية (البلديات) وكذلك انتخابات المجالس الدستورية الأخرى، كانت تجري بشكل طبيعي وفي أوقاتها المحددة في الدستور.
ليعلم السادة المراهنون على صراع داخلي، جهلاً او حقداً، أو عداء، أنّ إيران ليست كجمهوريات الموز التي يعيشون فيها، حتى اذا رحل رئيس في دولة ما، شلت حياتها الدستورية، وغرقت في الفراغ والفوضى، لتتغيّر بعد ذلك سياساتها، وتتبدّل مواقفها 180 درجة مع كلّ حاكم جديد.
إيران لا تتبدّل ولا تنحرف مبادئها وسياساتها مع كلّ رئيس. إيران لها ثوابتها العقائدية والمبدئية التي لا تحيد عنها، ولا يحيد عنها بالتالي أيّ رئيس يقود جمهوريتها، لأنّ إيران بمرشدها وقادتها، لا تمارس ترف السياسة، ومقاولتها، وانتهازيتها، كما يفعل العديد في دول العالم.
إيران تتمسك بكلّ حزم، وتلتزم بكلّ قوة، بمبادئ ثورتها لجهة الحفاظ على قرارها الوطني السيادي المستقل، وعدم التخلي عن ثوابتها القومية، وهي تنسج علاقاتها الدولية مع دول العالم. ثوابت ما فارقت القيادة الإيرانية يوماً، ومنذ تأسيس جمهوريتها، أكان ذلك لجهة التصدي لقوى الهيمنة والاستبداد في العالم، أو رفضها المطلق لوجود دولة الاحتلال والإرهاب «الإسرائيلية»، أو الاستمرار في دعمها لحركات المقاومة المنطقة، والوقوف إلى جانب الشعوب الحرة التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال، والتحرّر من قبضة قوى الاستبداد والتسلط العالمية.
إلى المراهنين على الصراع الداخلي والفوضى في إيران، بعد رحيل رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي، وما ينتظر إيران من مشاكل وصراعات، نقول لهم مهلاً. لا تقوموا بالتنظير، والتبصير من مسافات بعيدة عن إيران، حيث تتحكم في عقولكم، وتحرّك نفوسكم آراء فكرية، ومواقف سياسية عدائية مسبقة، معززة بخلفية من الحقد والكراهية، والعداء المكشوف.
بعد رحيل شهيد إيران، الرئيس إبراهيم رئيسي، ستبدي الأيام المقبلة لكلّ المراهنين على الصراع الذي يتمنّونه لإيران، وستثبت لهم على الأرض، وهم رهانهم وأحلامهم وتوقعاتهم.
د. عدنان منصور
لبنان/ وزير الخارجية والمغتربين الأسبق