بهدوء أعصاب كالفولاذ تحمل في داخله مرارة إنسانية، بعد المجزرة الهمجية التي ارتكبتها دولة الإرهاب الإسرائيلية يومي 17 و18 أيلول/ سبتمبر الحالي، لم يعرف العالم مثيلاً لها، أطلّ سيد المقاومة الاستثنائي على جمهوره وعلى العالم، بكلّ صدق، ومسؤولية القائد الحقيقي والأب الروحي للمقاومين، ليقول بكلّ شجاعة: «إننا تعرّضنا لضربة كبيرة، أمنياً وإنسانياً، وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، بالحدّ الأدنى، وغير مسبوقة في تاريخ لبنان من هذا المستوى من العدوان، وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو «الإسرائيلي» على مستوى كلّ المنطقة، وقد تكون غير مسبوقة في العالم».
لقد ظنّ القتلة، مجرمو الحرب في تل أبيب، انّ المجزرة الوحشية التي ارتكبوها قد تقضي على المقاومة، وتشلّ قدراتها، وتسهّل لهم رسم الحزام الأمني والسيطرة عليه في جنوب لبنان، وتضع المقاومة أمام الأمر الواقع «الإسرائيلي»، بغية فكّ ارتباطها مع غزة. لكن الأسد الجريح في عرينه، يخرج برباطة جأشه، وبلغة الواثق من نفسه، وثقته بأصالة المقاومين وإرادتهم ومعدنهم، وصمود الشعب، ليقول بصوت عالٍ «لن تعيدوا سكان الشمال، وافعلوا ما شئتم». وهذا يعني أنّ المعركة الدائرة حالياً مع العدو تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى حرب مفتوحة.
مهما كان جرح المقاومة بليغاً نتيجة المجزرة القذرة لمجرمي الحروب، فهذا لن يحقق لدولة الإرهاب «الإسرائيلية» الأمن، ولن تنعم بالاستقرار والسلام، طالما هناك أرض محتلة وشعب مقاوم آل على نفسه دحر العدوان وتحرير الأرض.
العمليّة الحربيّة الفجائية للبحرية اليابانية يوم 7 كانون الأول ديسمبر عام 1941 على الأسطول الأميركي في بيرل هاربر، وإنْ حققت لها لفترة نشوة النصر، إلا أنها في نهاية المطاف هُزمت وخسرت الحرب.
إنّ الضربة العسكرية الفجائية وغير المسبوقة، التي قام بها مجرمو كيان الاحتلال على أجهزة الاتصالات، التي أوْدت بحياة وجرح مئات الأفراد، وأطاحت بالقواعد والقوانين الدولية ذات الصلة بالحروب، وإنْ حققت لهم نشوة «النصر» لوقت قصير، فهم في نهاية الأمر سيُهزمون.
إنّ الصراع مع «إسرائيل» صراع وجود، مستمرّ وطويل، وما قامت به قبل أيام، يشرّع الأبواب أمام حرب كاملة في المنطقة.
إذ انّ العدو بعد اقتراب مرور سنة على عدوانه، أصبح مكشوفاً، ومربكاً في الداخل والخارج، يبحث عن مخرج سريع، واللجوء الى أي وسيلة وإنْ كانت في قمة الإجرام، لذرّ الرماد في العيون، عله يخرج من المستنقع القذر الذي هو فيه.
من كان يتصوّر في هذا العالم، أنّ دولة الإرهاب «الإسرائيلية» التي كانت تتباهى بقوّتها، وبجيشها الذي لا يُقهر، يمرغ أنفها في تراب غزة، وفي شمال فلسطين المحتلة؟!
الأسد الجريح، ومن موقع المسؤولية، والقوّة، والقدرة، وفي أحلك الأوقات، يتحدّى قادة الكيان الذين يتأهّبون لإعادة المستوطنين الى شمال فلسطين، ليقول لهم بلغة حازمة، صارمة، قويّة لا لبس فيها، إنّ هذا لن يحصل، وإنّ المقاومة في لبنان لن توقف عملياتها العسكرية قبل أن توقف «إسرائيل» عدوانها على غزة.
لا، لم تتغيّر مواقف الأسد الجريح، لم يتزحزح، لم يتراجع، لم يستكِن ولم يُحبط، فهو وبهدوئه المعهود، أكثر صلابة، وعزيمة، وقوة، وأكثر إصراراً وإيماناً على مواجهة العدوان والمعتدين ودحرهم.
أمام المحن، يظهر بوضوح جوهر القادة التاريخيين وحقيقتهم وأصالتهم وميزاتم. فها هو سيد المقاومة، الأسد الجريح اليوم جرحه يلتئم سريعاً، يخرج من عرينه، ووراءه مقاومة لا مثيل لها، وشعب جَسور، صلب، عنيد، لملاحقة ذئاب جيش الإرهاب وقادته.
إنّ دولة غُرست بالقوة في فلسطين، لم تستطع بعد 76 عاماً أن توفر لها الأمن والاستقرار، رغم رعاية الغرب الكبيرة لها، دولة هشّة، مصطنعة جمعت شذاذ الآفاق من أنحاء العالم، حظيت بدعم هائل من قوى البغي
والاستبداد. ما ان يتوقف هذا الدعم، ستجد «إسرائيل»
نفسها في مهبّ الريح سلماً أو حرباً، وهو يوم لم يعد بعيداً.
لقد تصوّر مجرمو الحرب في تل أبيب، أنّ العدوان على شبكات اتصالات، ستنزف شرايين المقاومة وتقوّضها، وتنهيها، وتحبط عزيمتها، فإذا بالردّ الصارم لسيد المقاومة، ووضوح الرؤية، والتمسك المطلق بالمواقف الثابتة، ليقول إنّ المقاومة رغم الجراح البليغة بخير، وإنّ ميدان القتال سيشهد ذلك، متوعّداً العدو بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب.
و”أنّ الرد هو ما سترون وليس ما تسمعون”.
د. عدنان منصور
لبنان/ وزير الخارجية والمغتربين الأسبق