من أتفه ما نقرأه على وسائل التواصل الإجتماعي ما ينقله بعض الوزراء والنواب والمسؤولين والسياسيين، على مواقعهم نشاطاتهم “العظيمة” و”اهتمامهم” الكبير بأمور الناس، لإظهار مدى تحسسهم مع مواطنيهم وغيرتهم عليهم، والعيش بجانبهم. لحين أن الأمور عندهم وصلت الى ان يخبر الواحد منهم على منصات التواصل انه قام بتعزية فلان، او تهنئة فلان ليظهر مدى محبته “المفرطة” لاصحاب العلاقة او اذا قام بعمل وظيفي متواضع جدا، ليعتبره إنجازا ما فوقه إنجاز، يروج له ليظهر نفسه انه قام بعمل بطولي استثنائي، لم يسبق لغيره ان قام به أو تراه في مكان ٱخر بحزنه “العميق” ينافس اهل الفقيد على حزنهم، أو يشعر الجائعين المسحوقين، انه يعاني ٱلامهم ووجعهم وجوعهم، حتى تخاله بحاجة الى من يسد “جوعه”.
تغطية المسؤولين لتحركاتهم، وتصريحاتهم، واتصالاتهم، اصبحت مبتذلة ،وجزءا لا يتجزأ من حياتهم وسلوكهم اليومي، يتبارون في ما بينهم لينشروا لحظة بلحظة ما يقومون به من جهود “عظيمة”على وسائل التواصل، بحيث ان السذاجة والخفة والتفاهة في التعاطي، تجعلهم يعتقدون ان القارئ مهتم جدا بما يكتبوه عن نشاطهم “الوطني الكبير”، وينتظر أخبارهم بفارغ صبر دون ان يدركوا ويعلموا ما يردده القارئ بحقهم بعد قراءة كل خبر عنهم وعن أنجازاتهم”الباهرة”، وتواجدهم” الدائم” الذي يملي على الشعب الفرح والدعاء لهم بطول عمرهم وعمر مناصبهم.
تخيلوا ما الذي كان سيحصل في دول يحترم المواطنون مسؤوليهم، ويحترم المسؤولون مواطنيهم، لو ان مسؤولا ما يعدد ويكتب على وسائل التواصل بهذه السذاجة والخفة، والإستخفاف بالمواطنين، وهو يتباهى بنشاطه الاجتماعي، وما قام به من اجل تسهيل عمل ما او مهمة ما لفلان، او ما يقترحه على تعيين أحدهم في موقع من المواقع! بكل تأكيد ستقوم حملة شعواء تصب عليه ،وتذهب به الى بيته.
متى سيفهم المسؤول في بلدنا، أن المجاملات، والتمثيليات، والحركات الفولكلورية التي يقوم بها، لا طعم لها، ولا ذوق، وأن الترويج “لنشاطه الفعال” الذي يقوم به، وتسليط الضوء على نفسه لا يقنع ولا يسمن ولا يغني من جوع، وأنه لا احد منهم قادر على أن يدخل عقل المواطن ويقنعه انه ليس جزءاً من منظومة فاسدة، ألحقت بالوطن والشعب الإفلاس والفقر والعذاب، وأن سلوكه وتواصله بهذا الشكل مع المواطن عبر وسائل التواصل لن تظرف صورته بأي شكل من الأشكال. وحتى يتأكد من تلقاء نفسه، ما عليه الا ان ينزل الى الشارع عندها سيسمع بصوت عال رأي المواطنين فيه، بعد كل الذي كتبه ويكتبه. لكن النرجسية التي تفتك بعقولهم تجعلهم يرون انفسهم أمام المرآة، انهم معجزة من معجزات هذا البلد، لم تنجب بطون الأمهات مثلهم لا من قريب او بعيد ودون ان يقتنعوا إنهم مصيبة من مصائب الدهر حلت على هذا الشعب المسكين.
فقليلا من التوازن النفسي والجدية والحكمة في التعاطي مع الناس، وخففوا من غروركم الذي لم يعد يجد طريقا له في عقول الناس الذين يقيمونكم على حقيقتكم ويزينونكم بميزانهم الحساس الخاص بهم.
الدكتور عدنان منصور
لبنان/ وزير الخارجية والمغتربين في الأسبق