الديمقراطية بمعناها العام والشامل تعني أن يكون الشعب مصدر السلطات وهو صاحب السيادة والحق في اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها والمحاسبة على نتائجها بوسائل سلمية من خلال قواعد وأسس ومؤسسات يتم الاتفاق عليها بين مكونات الشعب تؤدي إلى التداول السلمي للسلطة بين جميع هذه المكونات من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة. كما أن الديمقراطية ضرورة للارتقاء بالمجتمع وتقدمه وتطوره حيث لا يستقيم أي تقدم بدونها وذلك عبر إطلاق الحريات المسؤولة في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعبير ضمن محددات وقوانين ناظمة بحيث يتم الالتزام بهذه القوانين وعدم الخروج عليها تحت طائلة المساءلة بمعنى أن الديمقراطية السليمة هي طريقة حياة وأسلوب يعتمد لإدارة المجتمع بوسائل سلمية. لكن هل للديمقراطية الامريكية مفهوم اخر؟!
ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية اعتمدت على ديمقراطية العنف ومنذ بداية وجودها، ولا شيء غير العنف والقوة الغاشمة، حيث انها قامت أساسا على نتاج إبادة شعب. واحتلال ارضه، وعلى الغزو والحروب والسيطرة على الاخرين، ونهب ثرواتهم، فالقرصنة الهائلة للاخرين هو ما يميز تاريخها الذي تأسس على جثامين وجماجم السكان الأصليين في عديد ولاياتها. مثلما قامت أيضا على العدوان الخارجي ضد الشعوب، حيث بدون هذا العدوان تفقد السياسة الامريكية الكثير من مداخيلها كما تفقد الكثير من جبروتها ووحدتها الوطنية. وهذا ما أكدته الديمقراطية الامريكية تجاه امتنا العربية عبر وضع الامة العربية بكاملها في دائرة الاتهام والاستهداف وجعلت من نفسها حاكما، ولكن ظالما، تحاكم المقاومة وفكرها وثقافتها وطرق نضالها وتبذل الجهود والضغوطات من اجل جعلها ترضخ لسياساتها تنفذ ما هو مطلوب منها وبخاصة عدم المواجهة مع مشاريعها وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة وأولها توفير الأمن والحماية والتفوق للكيان الصهيوني وتسهيل نهب ثروات الأمة وبخاصة الثروة النفطية كمادة إستراتيجية تخدم شركاتها العاملة في هذا المجال مثلما تخدم سياساتها الهادفة إلى التحكم بدول العالم لتصبح المتحكم الأوحد في هذا العالم، اوليس هذا هو النهج الذي اتبعته مع سورية عندما طلبت من قيادة الدولة القبول بالنهج الأمريكي في المنطقة والتوقف عن التصدي للمشروع الأمريكي والتوقف عن دعم المقاومة والتي تواجه احتلالها للعراق والمقاومة في فلسطين ولبنان التي تواجه الاحتلال والعدوان الصهيوني؟ الم تطلب من القيادة السورية عدم الاقتراب من مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف أقطار الأمة العربية وتحويلها إلى كيانات هزيلة تدور في فلكها؟ أي أن الديمقراطية كما تفهمها الولايات المتحدة هي وسيلة لتحقيق المشروع الامبريالي الأمريكي الصهيوني وبمعنى أدق فإن الديمقراطية التي تدعيها أمريكا هي وسيلة لاستعباد شعوب المنطقة والعالم. وبالتأكيد عندما ترفض سورية أو غيرها هذا المفهوم السياسي الاستعبادي للديمقراطية الأمريكية وتتمسك بالديمقراطية السليمة باعتبارها المعطي الإنساني للحرية والكرامة والتقدم وليس أداة لاستعباد الآخرين وجب عليها العقاب عبر اتخاذ إجراءات الحصار ونهب المقدرات من نفط وغيره، وتحريك الأدوات والعصابات المسلحة المأجورة لخلق الفوضى وعدم الاستقرار وضرب الاقتصاد وإضعاف النظام والشعب وتعريض الوطن لخطر الدمار والخراب وقتل أبناء الشعب.
لسنا بصدد إيراد الدلائل الكثيرة على مثل هذه السياسات الأمريكية ولكن نتوقف عند الأبرز والاهم، إذ كيف يمكن لعاقل أن يثق بادعاءات قادة الولايات المتحدة حول الديمقراطية في منطقتنا وهو يشاهد الشراكة الإستراتيجية مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض الآخرين في فلسطين وسورية ولبنان والذي يمارس كل أشكال العدوان والقتل والبطش والإرهاب والحصار وانتهاك ابسط حقوق الإنسان هذه الشراكة القائمة على توفير كل أسباب وأشكال الدعم التي تشجع هذا الكيان على ممارسة كل هذه الأشكال من الجرائم؟ ثم هل لعاقل أن يصدق أو يثق بالديمقراطية الأمريكية التي تشن الحروب وتحتل الدول تقتل المواطنين وتدمر المؤسسات لتحقيق أطماعها وإشباع شهواتها المالية؟!
ثم كيف نثق بالديمقراطية الامريكية ونحن نشاهد غطرسة القوة وشهوة الحكم التي دفعت بالرئيس دونالد ترامب الى اتباع سياسات الاملاءات داخليا وخارجيا، وفرض الآراء والمواقف وسياسات العنف وتحريك أنصاره وتحريضهم حتى وصل الامر الى اقدامهم على احتلال “الكابتول” مقر الكونجرس لمنعه من اتخاذ قرار يؤكد على نتيجة فوز منافسة بايدن. ونعتقد بأنن مثل هذه السياسات الحمقاء سوف تلقي بظلالها على الولايات المتحدة الامريكية داخليا ودوليا وقد يصل الامر الى سقوط الدولة نتيجة للأخطاء ان لم نقل الحماقات التي ارتكبها دونالد ترامب من اجل البقاء في السلطة متجاوزا الانتخابات الشعبية التي أوصلت “جورج بايدن” الى الرئاسة.
نعم، ان مستقبلا صعبا ينتظر الولايات المتحدة الامريكية سيما وانها بدأت فعليا بالتفكك الى مجموعات متصارعة على أسس عرقية وعنصرية وعلى اللون، وهذا الوضع سيؤثر بشكل كبير على فقدانها دورها السياسي وتفوقها الاقتصادي.
ونقول، لتتوقف الإدارة الأمريكية عن عرض مسرحية الديمقراطية الأمريكية عبر ديمقراطية عنصرية فالأبيض يقتل الأسود، ديمقراطية الدم والتخريب في الولايات المتحدة نفسها، ديمقراطية همجية وحشية بشعة أحدثت شرخا عميقا في المجتمع الأمريكي.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فؤاد دبور
الأردن