ما الذي ننتظره من بلد بعد الٱن، وقد انهارت فيه القيم ومقومات الأخلاق على صعيد السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وانعدام المسؤولية والروح الإنسانية فيه ! الانهيار وللأسف، لا يقتصر فقط كما يتصور الكثيرون على مستوى الدولة ومؤسساتها ومسؤوليها، انما الانهيار الأخطر فتك أيضا بالقاعدة الشعبية على كل المستويات، الذي طال مباشرة أخلاق المواطن وأداءه السيئ، وسلوكه المنحرف، وتصرفاته الأنانية، وهو يتعاطى مع الٱخر، ويتعامل معه.
هناك مواطنون اساؤوا الى بني جلدتهم ووطنهم الى حد كبير، وتجاوزوا كل الحدود. فالمواطن الخارج عن القانون والأخلاق والدين، الذي يقتل دون حق، ويغش عمدا، ويسرق سرا وعلانية، ويفرض الخوة على الٱخرين، ويبتز الغير، ويلجاء للثأر ويتجاوز القانون، ويحصل على المال الحرام، ويعتدي على الناس ظلما وعدوانا، ويكدس بضاعته ليلعب في ما بعد بالأسعار، ويخزن الدواء،ويمنعه عن المرضى، منتهزا الفرصة المناسبة لتحقيق فائض من الربح، أو المستورد القاتل الذي يأتي بالدواء المنتهية صلاحيته، وبعد ذلك يقوم بتزوير تاريخ الصلاحية ليحقق المزيد من الارباح، أو الذي يروج للمواد الغذائية الفاسدة ويغير صلاحيتها، أو المواطن الذي يسرق الكهرباء، ويقطع المياه عن الأحياء، يصادرها ليبيعها بصهاريجه، أوصاحب المدرسة الذي يرفع الأقساط المدرسية دون الأخذ بالوضع المعيشي الصعب لأهالي الطلاب، ليحقق ثروة كبيرة. أو صاحب الفرن الذي يعيد عجنة البقايا التي مر عليها أيام، والمكانيكي الذي يأخذ ثمن قطعة غيار لا أساس لها، والمقاول الذي يغش في مواد البناء وسرقة ما يمكن سرقته، والطبيب الذي يبتعد عن انسانية وشرف المهنة وقسمها، وتاجر المخدرات ومروجها الذي يقتل شعبا دون وازع ضمير، وبائع المواد الغذائية المغشوشة، او المبيدات الزراعية المسرطنة، او الادوية المنتهية الصلاحية، أو المواطن الذي يزور الفواتير ليحصل على المال الحرام، او المطعم الذي يغش في المواد و الاسعار ونوعية المأكولات، أو أو أو الكثير من اصحاب المهن والنقابات، والمؤسسات، والحرف، والهيئات، والجمعيات، والتجار، والصناعيين، والمتهربين من دفع الضرائب، وغيرهم من الذين لا هم لهم الا جمع، وتحقيق وكديس الثروة، و امتصاص دم المواطن.
سلسلة دائرية من الناس كل في موقعه ومهنته ووظيفته، وكل واحد يريد ان يضع يده اليمنى في جيب الذي على يمينه، فتكتمل الصورة ،كل فرد يسرق من الٱخر. ناهيك عن التعصب والكراهية والحقد والجهل الذي يلف غالبية ابناء الشعب!!
ماذا لو قارنا المواطن اللبناني مع نظيره في دول أخرى؟! بالمقارنة نرى ان الوطن يتحلل من القاعدة الى رأس الهرم.وهذا امر طبيعي وحتمي، عندما تغيب الأخلاق عن شريحة كبيرة من ابناء شعبه وتفتك فيه جراثيم الفساد من كل الجهات. لذلك نقول بألم شديد، أي مستقبل ينتظره لبنان، ويعول عليه شعبه، عندما تتراجع القيم الانسانية، وينحدر سلوك المواطن للهاوية ؟! يبدو لنا اليوم، انه يتعذر تحقيق الاصلاح والتقدم الحضاري في بلد انهارت فيه القيم عند شعبه ،قبل ان تنهار عند حكامه. الإصلاح يجب أن يبدأ من القاعدة الشعبية، التي لم تكترث بها المجالس الروحية، طالما أننا في دولة طائفية، ولم تعيرها أهمية لتهذيب الأنسان اللبناني، حيث ان كل طائفة اهتمت بمصالحها الضيقة، دون أن تعطي الأهتمام اللازم بسلوك ، وأخلاق، وممارسات اتباعها . وهي قصرت الى حد بعيد في متابعة أداء، وتصرفات العديد من رعاياها التي تسيئ الى جوهر الاديان وقيمها. هذه المجالس قصرت وتقاعست عن توجيههم وصقلهم وتهذيبهم، فكان الدين وتعليماته النظرية تسود في مكان، وكانت أخلاق المواطن تسوء وتتدهور في مكان ٱخر.
لا تطلبوا الاصلاح وبناء المجتمع السليم من الحكومات وحدها، إذ لا ينفع البناء اذا كانت اساساته متصدعة.لذلك، نحن بحاجة ماسة قبل كل شيئ إلى بناء اساسات ثابتة متينة للنهوض بلبنان من جديد. لقد شبعنا من التنظير، والأجتهادات، والتحليلات… فما يحتاجه لبنان اليوم الإرادة والقرار. فعندما تتوفر الإرادة لدى صاحب القرار، ويتحلى بالحد الادنى من الضمير الحي والأمانة، والمسؤولية الوطنية، عندها نستطيع النهوض بالبلد، ونعيد المواطن الى الطريق الصحيح في تفكيره وانتمائه وادائه وسلوكه وأخلاقه.
لبنان اليوم بحاجة الى مسؤولين ومواطنين يملكون الارادة الحرة، والضمير الحي، والسلوك الأخلاقي الشريف، لنقول للعالم بعد ذلك: إن في لبنان دولة وشعب!!
الدكتور عدنان منصور
وزير الخارجية والمغتربين الأسبق
لبنان