إلى متى سيبقى لبنان تحت تسلط زمرة تشكل دولة عميقة داخل الدولة اللبنانية، تمارس ضغوطها، وترفض الحلول للأزمات والأوضاع الكارثية التي يعيشها اللبنانيون، وتمنع أيّ قرار يصدر عن «الحكومة» اللبنانية لمواجهة المشاكل المعيشية، والمالية، والنقدية، والخدمية، وتجاوز الحصار، والعقوبات، التي يرزح تحتها الشعب، وتخنق أنفاسه؟!
هذا ما يجعل اللبنانيين يسألون الحكومة، ورئيسها ويقولون له الى متى سيستمرّ هذا القهر والإذلال جاثماً على صدر اللبنانيين؟!
والى متى ستبقى وعودكم حبراً على ورق! وأيّ نوع من الحكومات هي حكومتكم، التي تقبل بقهر شعبها الذي إنْ حصل، يحصل على ساعتين من الكهرباء يومياً، ومتى في عام 2022 !
قولوا لنا هل من دولة في العالم اليوم تمضي نهارها وليلها دون كهرباء، وتسلّم أمرها لدولة المولدات؟! لماذا الإصرار على القبول بالذلّ، والرضوخ للضغوط الخارجية التي تكبّل الشعب اللبناني، تأمر، تعاقب، وتمنع الدولة من البحث عن مصادر بديلة لجلب الطاقة على أنواعها!
هل تجرؤ الحكومة ورئيسها على مصارحة اللبنانيين وتقول لهم الحقيقة الكاملة عن طبقة الدولة العميقة، وإصرارها عمداً على تجاهل العروض الخارجية لانتشال لبنان من أزماته؟! قولوا لنا، من هم داخل هذه الدولة العميقة الذين يستبدّون بالقرار، ويمنعون ايّ حلّ يخرج اللبنانيين من مأساتهم، وظروفهم القاهرة، وأوضاعهم القاتلة، ويرفضون أيّ عرض مغر تقدّمه دولة من الدول الصديقة للبنان، لمساعدته على تجاوز محنته؟
قولوا لنا مَن يمنعكم من التواصل مع روسيا، وتقبّل عروضها لجهة ما يحتاجه لبنان؟! من يمنعكم من التواصل مع الصين التي أبدت استعدادها لتلبية حاجات لبنان!
قولوا لنا مَن يمنعكم من التواصل مع إيران التي ومنذ سنوات وحتى اليوم تقدّم العروض تلو العروض المغرية للبنان دون قيد او شرط، لتزويد البلد بكلّ ما يحتاجه من الطاقة وغيرها بأسعار تفضيلية، وهي تلقى آذاناً صماء؟! لقد آثرتم إبقاء اللبنانيين في الظلام يا أصحاب السيادة والكرامة، نكاية باللبنانيين، وبهذه الدول الصديقة، وذلك رضوخاً لطبقة الدولة العميقة التي تتلقى الأوامر والتعليمات من الخارج.
قولوا لنا الحقيقة! من يحكم لبنان فعلياً؟! ما دمتم تتشدّقون وتدّعون إنكم الغيارى، الحريصون على سيادته ومصالح شعبه! هل القرار فعلاً لكم، أم في أيدي عصابة الدولة العميقة وموجهيها من الخارج؟! في كلتا الحالتين أنتم المسؤولون إذن عن جريمة متواصلة بحق الوطن وبحق الشعب، وعن تدهور أوضاعه المعيشية والصحية والخدمة القاتلة! وإذا كان القرار السياسي والسيادي مصادراً من قبل الخارج، وهذا واقع الحال، فلمَ وجودكم الصوري في السلطة؟! وما هو مبرّر وجودكم الفولكلوري بعد ذلك في الحكم!
قولوا لنا ما الذي فعلتموه حتى الآن من إنجاز واحد فقط للمواطنين، قبل أسبوع واحد من انتهاء ولاية الحكومة، ليشعروا بنتائجه الإيجابية حقاً، وليقولوا بعد ذلك، انّ في لبنان دولة ورجالاً! ما الذي حققتموه للمودعين الذين أفقرتموهم! ما الذي فعلتموه لوقف انهيار العملة الوطنية! ما الذي قمتم به لمحاسبة ولو مسؤول واحد او لصّ واحد أو سارق واحد لبيت المال! ما الذي فعلتموه لاسترداد الأموال المنهوبة! ما الذي منعكم من ان تكشفوا لائحة أسماء كلّ أفراد المافيا الذين نهبوا واختلسوا وسرقوا أموال الدولة وهرّبوها، واستولوا على مشاعاتها، وشواطئها، ورمولها!
ما الذي فعلتموه لجهة التحقيقات القضائيّة التي تراوح مكانها، حتى بتنا نتساءل أنحن نعيش فعلاً وسط الأدغال، أم نعيش داخل دولة صورية لا مثيل لها في العالم!
الى متى هذا الاستخفاف بعقول اللبنانيين وكرامتهم، وعدم الاكتراث بهم! وإلى متى هذا الانحطاط الأخلاقي، والانحدار السلوكيّ في الحكم، والعبث بالدستور والقوانين والقضاء والإنسان!
أين وعودكم التي تضمّنها بيانكم الوزاريّ عند نيلكم الثقة؟! قولوا لنا ما الذي حققتموه! أين هو «مشروع القانون الذي من شأنه معالجة الأوضاع المالية والمصرفية»؟!
أين وعدكم وأين «حرصكم على متابعة تنفيذ القانون 214 تاريخ 8/4/2021 المتعلق باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد»؟!
أين «العزم» الذي تضمّنه بيانكم الوزاريّ «لتصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام بتسمياته كافة»؟! ما مصير «الإجراءات اللازمة للتدقيق المالي في الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة» التي أشرتم اليها في بيانكم الوزاري؟! أين أصبحت الطاقة و«زيادة ساعات التغذية وتامين الكهرباء بأسرع وقت للمواطنين»؟! أين أصبح «استكمال خطة قطاع الكهرباء والإصلاحات المتعلقة به مع تحديثها وإنشاء ما تحتاجه البلاد من معامل لتوليد الطاقة الكهربائية»؟! أين هي «شبكة الأمان الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ
الصحيّ التي وعدتم بها الشعب المسكين؟! أين «مشروع البطاقة التموينية التي وعدتم بوضعها حيّز التنفيذ»؟! أين قانون الشيخوخة الذي وعدتم به؟! أين «إنجاز الخطة الشاملة للنقل»؟! أين «تأهيل مرفأ بيروت وإصلاح ما تضرّر منه»؟! أين «ملء الشواغر من خلال تعيينات تعتمد الكفاءة والنزاعة بعيداً عن المحسوبيات»؟!
أين الوعد «في إنهاء ملف المهجرين؟! أين مشروع قانون اللامركزية الادارية»؟! أين «استكمال التحقيقات لتحديد أسباب كارثة المرفأ وكشف الحقيقة كاملة ومعاقبة جميع المرتكبين»؟!
وأين وأين وأين واللائحة تطول؟!
هنيئاً للبنان ببرنامجكم الذي نفذتموه على أكمل وجه. لقد وعدتم، وصدقتم، ونفذتم إنجازاتكم الباهرة التي تشهد لكم كلّ المدن، والقرى، والطرق الدولية، وعلى رأسها طريق ضهر البيدر الدولي، كما يشهد لكم المواطنون الذين ترون الفرحة على وجوههم وهم يبتهلون لله، ويدعون لكم بطول العمر!
في إحدى الدول الاسكندنافية تقدّم رئيس وزرائها باستقالته بشرف، بعد عشرة أشهر من ترؤسه لها، معتذراً لأنه وضع برنامجاً لم يستطع تنفيذه بالكامل، فما كان عليه إلا أن يستقيل احتراماً لشعبه ولنفسه.
لكن في لبنان، يعيش الشعب على وهم الوعود، والأكاذيب اللامتناهية، والنفاق، حيث يبقى المواطن المغفل المقهور، يقرأ ويستمع للبيانات الفضفاضة، ويشاهد الوجوه المقززة، وهو يعلق الآمال على يد من خذله ويخذله كلّ يوم.
قولوا لنا، إلى متى يطيب لكم الرضوخ لطبقة الدولة العميقة، إنْ كنتم فعلاً مقتنعين بأنكم أصحاب سلطة وسيادة، وأنكم لستم جزءاً لا يتجزأ من هذه الدولة العميقة!
دولة الرئيس نجيب ميقاتي! بعد أسبوع تقترب حكومتكم من نهاية عهدها. فما عسانا أن نقول عن مدى التزامكم ببيانكم الوزاري و«الإنجازات الباهرة» التي حققتموها؟! الجواب ستسمعونه من ابن طرابلس، قبل ان يكون من ابن عكار، او البقاع، او الجبل، او الجنوب، او من العاصمة بيروت!
لن نعوّل على ايّة حكومة، ولا على الإصلاح المستحيل منها، لأنّ الإصلاح لا يأتي إلا من الإصلاحيين الحقيقيين، لا من طبقة فاجرة تغوص جذورها الفاسدة في عمق الأرض وعلى مساحة الوطن كله، والتي تجد في كلّ وقت مَن يحافظ على تثبيتها، وتعزيزها وإنعاشها.
نظام طائفيّ مهترئ، يحتم علينا اقتلاعه من جذوره، عندها فقط يمكن الحديث عن بناء الدولة العصرية، الوطنية، القومية، القادرة المقتدرة، يغيب عنها الحيتان والمفسدون في الأرض!
دولة الرئيس…
إذا كانت الحكومات أنواعاً: منها حكومة باهرة، وحكومة مقتدرة، وحكومة قاهرة، وحكومة فاجرة، وحكومة جائرة، وحكومة معوّقة. ما عليّ وأنا المواطن اللبناني الحر، الذي كفر بهذه الطغمة الحاكمة البالية، إلا أن يسألك، ويستحلفك بالله وأنت الذي ترى في نفسك «الصدقية اللامحدودة»، بأن تقول لنا وبكلّ صراحة وضمير حيّ: أيّ نوع من أنواع الحكومات هذه، ينطبق على حكومتكم؟!
د. عدنان منصور
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق